* والحاصل: من هذه الطرق أنَّ عبدَ العزيزِ بن محمدٍ الدراورديَّ قد اختلفَ الرواةُ عليه: فمرَّة قالوا: (عن الدَّراورديِّ عن طارقٍ وعبادٍ عن أبي الزنادِ)، وهي رواية يحيى التنيسيِّ ويحيى بن محمدٍ الجاري. ومرَّةً قالوا: (عن الدراوردي عن طارقٍ عن عبادٍ عن أبي الزنادِ)، وهي رواية إبراهيمَ بنِ حمزةَ الزبيريِّ ويحيى الجاري أيضًا. والوجه الأول عن الدَّراورديِّ أقوى؛ يحيى التنيسيُّ فوق إبراهيمَ بنِ حمزةَ بدرجاتٍ، لا سيِّما وقد تابعه في روايتِه عن (الدَّراورديِّ عن طارقٍ -فقط- عن أبي الزنادِ) ثقةٌ آخرُ، وهو معلَّى بنُ منصورٍ، وهو من رجالِ الصحيحينِ. لكنَّ الأظهرَ عندي -والله أعلم- أنَّ هذا الاضطرابَ من الدَّراورديِّ نفسِه؛ فهو وإنْ كان ثقةً في نفسِه إلا أنه سيِّء الحفظِ كما ذكر أبو زرعة "الجرح والتعديل" (٥/ ٣٩٦)، ولذا فقد يحدِّثُ على سبيلِ التوهُّم فيقعُ في حديثِه الوهمُ والغلطُ كما ذكرَ ابنُ سعدٍ "الطبقات" (٥/ ٤٢٤)، وابنُ حبانَ "الثقات" (٧/ ١١٦)، والساجيُّ كما في "تهذيب التهذيب" (٦/ ٣١٦)، وذكر الإمامُ أحمدُ أنه كان يحدِّثُ من كتب غيرِه فيخطئُ كما في "الجرح والتعديل" (٥/ ٣٩٦). ويؤيِّدُ ذلك أنَّ يحيى بنَ محمد الجاري رواه عن الدَّراورديِّ على الوجهين جميعًا، فيظهر أنَّ الدراورديَّ كان يضطربُ في روايتِه؛ فمرةً يقول: (عن طارقٍ وعبادٍ عن أبي الزنادِ)، ومرةً: (عن طارقٍ عن عبادٍ عن أبي الزنادِ). والله أعلم. فالأشبه -والله أعلم- أنَّ الحملَ في هذا الحديث على الدراوردي، وهو أولى من توهيم الثقة وسلوك مسلك الترجيح بين الروايات. والله أعلم. * هذا، وقد روي هذا الحديثُ من وجهينِ آخرينِ عن أبي الزنادِ لم يذكرهما المصنفُ ﵀: الأول: أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (٢/ ٣٧) من طريقِ صالحِ بنِ أبي الجنِّ عن اليُسيرِ بن موسى عن بقيَّة عن معاويةَ بنِ يحيى وأبي بكرِ بن أبي مريم عن أبي الزنادِ به. وهو بهذا السياقِ منكرٌ: صالحُ بنُ أبي الجنِّ واليسيرُ بنُ موسى لم أقف لهما على ترجمةٍ، وقد تقدَّما. وقد خالفَ هذا السِّياقُ الوجوهَ الثابتةَ عن بقيَّةَ في روايته عن معاويةَ بنِ يحيى فقط، دون ذكرِ ابنِ أبي مريمَ في إسنادِه. ولذا قال ابن عدي عقبه: "وأبو بكرِ بنُ أبي مريمَ في هذا الإسنادِ غيرُ محفوظٍ، =