النقص منه، كقولهم: انقص من الحديث، ولا تزد فيه، ومرادهم أن الخطأ في النقص أهون من الخطأ في الزيادة.
وكذلك ما جاء عن بعض الرواة من تعمد وقف الحديث، أو إرساله، إذا توقف الراوي في شيء منه في متنه أو إسناده، أو كان شيخه ضعيفا، ونحو ذلك, كما تقدم هذا في المبحث الأول من الفصل الثاني من هذا الباب.
وهذه الحجج ترجع إلى أصل عظيم من أصول النقد عليه أدلة كثيرة، وهو البراءة الأصلية، فالأصل أن الحديث لم يرد عمن نسب إليه، ورفع هذا الأصل يحتاج إلى دعامة قوية، هي شروط الحديث الصحيح عند النقاد، فإذا ترددنا في شيء، يبقى مع البراءة الأصلية، أو يرفعها، فالحكم لمن يبقيها.
غير أن هذه الحجج إنما تفيد منع ترجيح التام عند الاضطراب، وأما البقاء مع الأدنى فلا تفيده، وبين المسألتين فرق، فنحتاج للبقاء مع الأدنى إلى دليل آخر، يمنع من قيام احتمال أن يكون هناك وجه خارج أوجه الاضطراب، وهو أدنى مما ورد إلينا، إذ وقوع الاضطراب يفتح باب هذا الاحتمال ويقربه.
وهذا الدليل الآخر -فيما أرى- يتعلق بدرجة الراوي الذي وقع منه الاضطراب، فإن كان الراوي ثقة وقع منه الاضطراب في هذا الحديث المعين، قرب جدا أن يقال إن الظاهر عدم وجود وجه لم يرد في الرواية، وأن تردده كان بين هذين الوجهين: التام، والناقص، وأما إن كان الراوي ضعيفا، أو موصوفا بكثرة الاضطراب في حديثه، فاحتمال وجود وجه ثالث، قد يكون أدنى مما ورد في الوجهين هو احتمال قوي, والقضية تحتاج مزيد تأمل وبحث.