للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونزع ملكية الأراضى التي كانت لبقية الأفراد مدعيا حق التسلط على كل الأراضى لأنه الحاكم النائب على الخليفة المالك للأرض، فاستحضر كل الملاك وطلب منهم ابراز حقوق ملكيتهم فقدموا اليه حججهم رغم أنوفهم، فكان يضرب ببعضها عرض الحائط ويظهر بطلان بعضها الآخر، ويملى بعض الملاك بعوض، ولما أصبحت جميع الأملاك في قبضته أعدم كل ما لديه من الحجج وأصبحت كل الأرض في قبضته واستخدام الفلاحين في زراعتها".

ومن جملة هذه الآراء يظهر أن السجال لم يكن علميا ولا قوميا فلم يفرق الدعاة بين الاشتراكية والشيوعية، كما أن دعوتهم ارتبطت بعوامل خارجة وباتصالات الأحزاب الشيوعية في أوربا، ولم تكن دعوة اشتراكية وطنية متصلة بالواقع المصري أو العربي أو خالصة للهدف القومى المتحرر من المذاهب الغربية أو الاتصال بالشيوعية الدولية.

وكان خصوم هذه الآراء يتحدثون من الناحية الدينية وحدها، ويعارضون المذهب دون مناقشته علميا ولم يكن الرأى العام يحتمل في هذه الفترة مواجهة مثل هذه المذاهب على نحو يحقق الاستفادة من الصالح منها.

وقد كان الاستعمار وراء السماح بهذه الآراء اذ كان في هذه الفترة (١٩٢١ - ١٩٢٣) يسيطر بالحماية والأحكام العرفية وقوة الاحتلال على توجيه الرأى العام في ميدان الصحافة والفكر والاجتماع، ولم ترفع الحماية الا بعد صدور تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ وقد ظل المعتمد البريطانى الذي أصبح المندوب السامى بعد اعلان الاستقلال هو صاحب الرأى الأول في كل هذه الأمور، كما أن افساح جريدة الأهرام الصفحات الأولى والمقالات الافتتاحية منها لهذه الدعوة من ناحية تأييدها ومعارضتها انما كان يهدف إلى خلق جو من البلبلة والتمزق وضرب الأفكار بعضا ببعض على نحو يحقق أهداف الغزو الثقافي والتغريب وتحطيم مقومات الفكر العربي الإسلامي والشخصية العربية الإسلامية.

غير أنه في خلال هذه الفترة التي نؤرخ لها - حتى الحرب العالمية الثانية - لم يتوقف الحديث عن الشيوعية على نحو أو آخر في مقالات وأبحاث تتناول شخصيات لينين وتروتسكى وستالين أو مذهب التفسير المادى للتاريخ أو ثورة ١٩١٧ وسقوط القيصرية. كما جرت محاولات متعددة لتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال وقامت نقابات العمال وجرى بحث مختلف المسائل المتصلة بالرأسمالية والاقطاع، غير أن الاستعمار كان حريصا على دعم نظامه القائم على تسلط الاتجاهات الرأسمالية الغربية على مختلف التشريعات والقوانين، وكان نفوذ الاقطاعيين من رؤساء الحكومات ورجال القصر والأحزاب يحول دون أى اتجاه نحو الاشتراكية الحقيقية المستمدة من الواقع العربي.

وقد واجه الفكر العربي الإسلامي الدعوة الماركسية الشيوعية في مختلف مراحلها كما واجه مختلف النظريات الغربية، وكان في كل أدوار هذه الرحلة يكتشف في عقائده وتراثه خير ما في هذه الدعوات لو أتيح له أن يحقق الاصلاح دون أن يتخلى عن معتقداته، غير أن الاشتراكية الإسلامية كانت لا تزال تحارب من قيادة حركة التغريب في سبيل الابقاء على أنظمة الاقطاع وسلطان رأس المال وفوارق الطبقات وحجب العدالة الاجتماعية.

وقد ظل دعاة الشيوعية أو الاشتراكية الغربية في نظر الفكر العربي غرباء عنه على أساسين واضحين: أحدهما أن لدينا في الإسلام وتراثه وشريعته ما يحقق تنظيم المجتمع واشتراكيته ويحقق العدالة الاجتماعية دون الحاجة إلى اقتباس نظم الآخرين فضلا عن أن التجربة التي حاولت الشيوعية تحقيقا في روسيا لم تحقق النجاح الذي يكسبها القبول، هذا بالاضافة عن نفوذ الفكر العربي من استبعاد "الإسلام" عن مجال النظم الاجتماعية.

وقد كان الفكر العربي الإسلامي يرى في الشيوعية وجها آخر من الغزو الغربي لأمتنا لأنها تحمل أفكارا. ومذاهب بعيدة عن طبيعته فضلا عما كانت تتسم به الدعوة الشيوعية من الارتباط بموسكو، وعدم قدرتها على التحرر من هذا القيد، واستحالة مواجهة الاشتراكية كتظلم يمكن أن نقبل منه ما يتفق مع حاجة أى أمة من الأمم، وهى في هذا تحمل نفس الخطأ التطبيقى الذي يطالب به الغزو الاستعمارى من أن تقبل الأمة العربية الحضارة كاملة أو ترفضها جميعا.

وقد كشفت التجربة الشيوعية أمام الفكر العربي الإسلامي نتائج خطيرة زادت حذرها منها فقد الدين والحرية والمساواة. وصلب النظام الشيوعى حرية الفرد ووضعه تحت الوصاية القاهرة والرقابة الشديدة. ولم تنجح الشيوعية في الغاء نظام الطبقات وعجزت عن أن تقرب بينها وبين سلطان الحكام شبيها بسلطان القيصرية وهى ان استطاعت أن تمحو طبقات قديمة فقد أحلت محلها طبقات جديدة.

<<  <   >  >>