للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم بلوغ الحضارة الإسلامية في العصر العباسي ذروتها وقيادتها للعالم في العصر الوسيط آنذاك، فقد تعايشت مع الحضارات الأخرى في وئام وانسجام. ومن هنا فإن الحوار الحضاري كما يعرضه الإسلام لا يعد استجابة لظرفية زمنية خاصة، بل هو مشروع يتميز بالشمولية والاستمرارية ينبع من مبدأ جعل سعادة الإنسان غاية ذلك الحوار، أي أنه يقوم على مبدأ تحقيق إنسانية الإنسان، فالإنسان هو كائن حساس، فريد متميز واسع الدوائر الوجودية، ذو خصائص عقلية وروحية وأخلاقية شاملة، فضلا عن أنه خليفة الله في الأرض.

ومن خلال معاصرته لتجربة تاريخية مرة تسبب فيها الاستعمار بكوارث ومآس حلت بالإنسانية، وقسمت الشعوب وفرقتها إلى عرقيات وطوائف متنافرة طرح المفكر الإسلامي (سعيد النورسي) في رسائله (رسائل النور) مفهوماً بديلاً موضوعياً لفكرة صدام الحضارات من خلال طرح مبدأ (التكامل) بدل (الصراع)، و (التعايش) بدل (الإقصاء)، شريطة أن يقوم الحوار بين الحضارات على قدم المساواة وعلى احترام تعدد الثقافات، وبحيث لا ينحصر في مجرد حوارات كلامية بين الناس، بل يكون فلسفة نابعة من جوهر الإيمان، إيمان الإنسان بأن الله خلق البشرية لحكمة وغاية محددة تتمثل في التآلف والتساكن لتحقيق أمر رباني وهو تعميم الخير ودفع الشر. فالحوار ليس وسيلة لحل النزاعات الدولية وحسب، بل هو أسلوب للتعارف والتعايش والتكافل بين الشعوب من أجل تحسين ظروف البشرية وهو ما يسميه النورسي (مسلك الخلة والأخوة) (١) أو بعبارات (د. محمد عابد الجابري) (ثقافة السلام) والذي يدعو "إلى بناء تصور مشترك لها من خلال اهتمام الحوار بين الأديان بموضوع الضرورات الخمس ذلك لأن هذه الضروريات، أعني حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين هي أساس كل سلام وبدونها لا يتحقق السلام، لا السلام مع النفس ولا السلام مع الجار ولا السلام بين الأمم. وفي هذا الصدد أرى أنه بالإمكان تأسيس


(١) بين أخلاقيات العرب وذهنيات الغرب- إبراهيم القادري بوتشيش- عرض/إبراهيم غرايبة- رؤية للنشر والتوزيع, القاهرة-ط.١ ٢٠٠٥ - الجزيره نت- حوار الحضارات من خلال رسائل بديع الزمان النورسي

<<  <  ج: ص:  >  >>