للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذا فإن التعصب القمعي لدى الأباطرة البيزنطيين يتيح لنا أن نفهم كيف تم حسم مصير سورية وفلسطين بمعركة واحدة، هي معركة اليرموك في العشرين من آب عام ٦٣٦ وكيف سحق الجيش البيزنطي وكيف تفجر ذلك العصيان قبل معركة اليرموك بين صفوف الجنود المسيحيين الأرمن في الجيش الامبراطوري، وكيف انسحب المسيحيون العرب السوريون من الجيش البيزنطي إبان المعركة .. وهكذا وجد جيش الروم نفسه وحيداً فتم سحقه .. ثم وصلت جيوش المسلمين دون قتال إلى ابواب دمشق .. وفي القدس عرض البطريرك المسيحي سوفرونيوس الصلح شريطة أن يأتي الخليفة نفسه إلى القدس لضمان تنفيذ شروط هذا الصلح، وقبل الخليفة بذلك ... ويذكر الاخباريون العرب ان الخليفة عمر لم يقبل الدعوة التي وجهها اليه بطريرك القدس إلى اقامة الصلاة في إحدى كنائس القدس خوفاً من أن يتخذ بعض المسلمين المتحمسين ذلك ذريعة لتحويل الكنيسة إلى مسجد تخليداً لذكرى مروره بها. وخلال حكم الامويين كانت سياسة الخلفاء الامويين تتسم بالتسامح والانفتاح حتى ان بعض المسيحيين كمنصور بن سرجون وابنه وحفيده المعروف بيوحنا الدمشقي تقلدوا مناصب هامة في خزينة الدولة وماليتها فكانوا شخصيات مرموقة في نظام الحكم (١).

وبعدها في ظل الحكومات الإسلامية المختلفة عاش المسيحيون في امن وسلام ومارسوا عقائدهم بحرية ولم يتعرضوا للاضهاد الا على يد الغزاة الغرباء، ولهذا كانت العصور الإسلامية في معضمها عصور ذهبية لاتباع الديانه المسيحية والأديان الاخرى، حيث اعتبر الإسلام خيمة جامعة للأديان كلها على اختلافهاً ونموذجاً رفيعاً للتعايش وحضناً رحيماً يتسع للتعددية في الرأي والمعتقد (٢). ولم يحاول الإسلام اجبار اهل الكتاب على تغيير دينهم وطالب دائماً بالحوار معهم (المجادلة)، اي ضمن لهم حرية الفكر حسب مفهومنا المعاصر، وترك لهم حق اتخاذ القرار. وقد كان موقف القرآن الكريم بشكل عام ايجابياً من المسيحية من الناحيتين السياسية والسلوكية (٣).


(١) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص١٢١ - ١٢٢
(٢) اسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص١٢٩
(٣) العرب النصارى (عرض تاريخي) - حسين العودات -ص٦٤ - ٦٥ - الاهالى للطباعة والنشر والتوزيع - ط١ ١٩٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>