وفي مقابل "الغفران" الذي تصكه أدبيات المسيحية المتصهينة لليهود على تلك "الجريمة" والتقارب المفتعل بين الديانتين هناك توكيد لعلاقة العداء المتوهم بين الإسلام والمسيحية تنسحب على طبيعة النظرة العدائية لنبي الإسلام محمد, وتفترض أن نظرة مشابهة لها موجودة عند المسلمين تجاه السيد المسيح. فلا تدرك غالبية مسيحيي العالم, وفي مقدمتهم مسيحيو الغرب, أن المسلمين يعتبرون المسيح نبياً من أنبيائهم, ويوقرونه كما يوقرون محمداًً, وأنهم يصلون عليه كلما ذكر ويردون عليه السلام، وأنه لا يجوز بحسب قيم الإسلام إلا أن يخص المسيح وسائر الأنبياء بالاحترام والطاعة والتقدير, فضلاً عن أن يجول بخاطر المسلمين أن يعادوا أحد الأنبياء ويتطاولوا عليه كما يتم التطاول على سيدنا محمد (ص) مثلاً في الأدبيات الغربية المسيحية. وعلى ذلك فإن النظرة العدائية هي في الواقع باتجاه واحد، من قبل الغربيين تجاه نبي الإسلام, لأن النظرة التي بالاتجاه المعاكس, أي من قبل المسلمين إزاء السيد المسيح هي نظرة تبجيل لنبي مرسل.
لكن السؤال الذي يبرز هنا هو هل هناك خصوصية بارزة لتعامل النص القرآني, ومن ثم الأدبيات العربية الإسلامية, مع السيد المسيح تمنحه موقعاً متميزاً عن الأنبياء الآخرين الوارد قصصهم في القرآن؟ والجواب هو نعم ولا في الوقت نفسه. ففي حين أن بعض القصص الخاص بأنبياء آخرين يأخذ مساحة أكبر, أو أن ذكر بعض الأنبياء يتردد بشكل أكثر من السيد المسيح, من ناحية التكرار أو عدد المرات فإن ثمة خصوصية معينة للمسيح تتمثل في أنه كان آخر الأنبياء قبل النبي محمد, وأنه وصف في القرآن بأنه "روح الله" و"كلمة الله" كما أنه "ابن مريم" الذي لا أب له. لكن النص القرآني شديد التركيز على أن عيسى ابن مريم إن هو إلا بشر كغيره من العباد وأنه ليس إلها ولا يدعي الألوهية. كما أن هناك رفضاً موازياً لعقيدة التثليث المسيحية, وتوكيد بارز على مبدأ الألوهية الواحدية- الله الواحد الأحد الذي لا شريك له. وهذا التركيز الشديد هو الذي يثير وأثار حفيظة العديد من علماء اللاهوت المسيحيين في قرائتهم للقرآن. ومن هنا فإن المسيح "القرآني" وافق من ناحية المسيح "الإنجيلي" حيث صورته طافحة بالحب والألفة والتوقير, لكن في الوقت نفسه خالفه من ناحية رفض قصة الصلب التي يقول الإنجيل بأنها حدثت, كما والأهم من ذلك التوكيد على بشرية السيد المسيح وعدم ألوهيته. وكان أن اعتبر