للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد وصل انتشار العقيدة اليهودية- حينما لم تكن اليهودية محصورة في حدود أمة- إلى قمته في بابل ثم في بغداد في القرن التاسع أيام الخلفاء المسلمين، حتى إن كبير احبار اليهود كان يقيم في بلاط الخلفاء وله مكانة تفوق مكانة كبار النصارى. وقد برز في هذه الفترة من ازدهار العقيدة اليهودية تحت ظل الخلافة العربية شخصيات يهودية في العراق ومصر ... وكان انحسار الثقافة اليهودية على أثر انحسار الامبراطورية العربية التي ازدهرت في ظلها تلك الثقافة. ثم كان مركز تألق اليهودية من بعد ذلك في اسبانيا تحت ظل الخلافة الإسلامية حيث ظهر فيها ونبغ (امراء) الطائفة اليهودية مثل (حسدهي بن سبروت) وزير الخليفة في قرطبة، وصموئيل وزير سلطان غرناطه، وهناك فلاسفة ولاهوتيون وشعراء (سليمان بن جابيرول ويهودا هاليفي ولاسيما موسى بن ميمون) ظهروا ونبغوا في تلك المرحلة التي يسميها أندريه شوراكي (المرحلة الذهبية) لليهود في اسبانيا المسلمة حيث أثمر التلاقح اليهودي - العربي أنضج ثماره واحلاها (١).

ففي حين كانت اوروبا الغربية المسيحية تضطهد اليهود باسم الدين وتذيقهم الوان العذاب في القرون الوسطى، وتضطرهم على النزوح إلى شرقي اوروبا وغربيها، كانت الدول العربية توليهم اسمى المناصب وتعترف لهم بحق المساواة المطلقة فيتجرون ويثرون، يبلغون شأناً في السياسة والادارة والاقتصاد لم يسبق له مثيل (٢). وهكذا عاشوا في بلاد المسلمين لهم ذمة الله وذمة رسوله وذمة جماعة المسلمين وكان لهم ثروات هائلة ووصلوا إلى القرب من أهل الحل والعقد ومن قرب السلطان حتى في بعض الأحيان حسدهم المسلمون أنهم أصبحوا مقربين من أولى الأمر ومن السلاطين، وهناك شاعر مصري ساخر اسمه الحسن ابن خرقان له أبيات يقول فيها:

يهود هذا الزمان قد بلغوا غايات آمالهم وقد ملكوا المجد

فيهم والمال عندهم ومنهم المستشار والملك


(١) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص١٨٦
(٢) موقف عرب فلسطين من الهجرة اليهودية الصهيونية (١٨٨٢ ـ ١٩١٤م) - بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام (فلسطين) - د. اسماعيل احمد ياغي / ص١.

<<  <  ج: ص:  >  >>