للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلفاء واخصهم المعتصد (٨٩٢ ـ ٩٠٢م) انه كان لليهود في الدولة مراكز هامة. وكان لهم في بغداد مستعمرة كبيرة ظلت مزدهرة حتى سقوط المدينة. وقد زار هذه المستعمرة بنيامين التطيلي حول سنة ١١٦٩ م فوجد فيها عشر مدارس للحاخامين وثلاثة وعشرين كنيساً منها واحد رئيسي مزدان بالرخام المخطط ومجمل بالذهب والفضة، وافاض بنيامين في وصف الحفاوة التي لاقاها رئيس اليهود البابليين من المسلمين بصفته سليل بيت داوود النبي ورئيس الملة الاسرائيلية (ريش جاوثا) في الارامية أي امير السبي أو بصفته في الواقع زعيم جميع اليهود الذين يدينون بالطاعة للخلافة في بغداد. فقد كان لرئيس الحاخاميين هذا من السلطة التشريعية على ابناء طائفته مثل ما كان للجاثليق على جميع النصارى، وقد روى انه كانت له ثروة ومكانة واملاك طائلة فيها الحدائق والبيوت والمزارع الخصبة، وكان إذا خرج إلى المثول في حضرة الخليفة ارتدى الملابس الحريرية المطرزة وعمامة بيضاء موشاة فيها الجواهر واحاط به رهط من الفرسان وجرى امامه ساع يصيح باعلى صوته (افسحوا درباً لسيدنا ابن داوود) (١).

وهكذا فأنه ليس من المدهش أن اليهود الذين عاشوا في الأراضي الإسلامية في العصور الوسطى لم يحفظوا أية ذاكرة جماعية عن عنف قام به مسلمون ضد اليهود، ناهيك عن معاداة السامية. و هذا على خلاف شديد مع إخوانهم الذين عاشوا في الأراضي المسيحية والذين رسموا تاريخهم على شكل سلسلة طويلة من المعاناة. ولكن هنالك سلسلة واحدة من العنف تأتي إلى الذاكرة. وهي المذابح والتحويل القسري التي قامت به طائفة متعصبة من الموحّدين في شمال أفريقيا وأسبانيا في القرن الثاني عشر ضد اليهود والمسيحيين وحتى المسلمين المنشقين أو الذين لا يوافقون طريقتهم. وهذا الاضطهاد هو الذي أجبر عائلة ميمون على هجرة وترك أسبانيا والاغتراب (٢).

وفي ظل الدولة العثمانية تمتع اليهود في فلسطين، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، منذ سنة ١٥١٧ م وفي اماكن اخرى من الامبراطورية العثمانية، بقسط


(١) تاريخ العرب- فيليب حتي، د. ادوارد جرجي - الجزء الثاني، ص٤٣٧ ـ ٤٣٨ د. جبرائيل جبور/ دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع، بيروت، ط٣، ١٩٦١م.
(٢) تعايش الأديان في الماضي: بقلم مارك كوهين، ترجمة كامل الزيادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>