للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجرات السكانية عبر حدود دوائر هذه الحضارات أو تلك النزاعات التي قد تسببها هجرات غير شرعية، وتغذيها فروق ومشكلات سياسية وعقيدية وتاريخية.

إن من فوائد الحوار وغاياته أبطال المناخات المفعمة بالمخاوف ومشاعر العنصرية والكراهية، وتوفير المناخ الملائم لتبادل الوافد النافع من الثقافة والعلم والخبرة. إن الحوار بين الحضارة يعني أن تتبادل العلوم والمخترعات، وليس مجرد الثقافة والإعلام والآداب والفنون، وإلا كان التبادل تبادلا محدودا، ويفتح المجال للهيمنة الثقافية واحتلال العقل ومسخ الثقافات الأخرى. إن الحوار لا يعني نسيان أو تجاهل التميز بين الحضارات، لكن العزلة عن التأثيرات الحضارية الأخرى أمر صعب مثله مثل التبعية أو الذوبان. وهكذا فإن الدعوة للحوار، هي دعوة للتسامح والتعايش مع الآخرين، وإنكار لنزعات التفوق والسيطرة، وهي نظرة لقضايا المستقبل، وتعبير عن إرادة الحضارات المعاصرة لمعالجة هذه القضايا، وعن قناعتها بضرورة التعاون للنجاح في ذلك (١). فالحوار يقتضي سلفا تعددية الفاعل وخلافية القضية، والتساوي بين المباشرين لهذا الفعل النبيل، وهو عملية تتيح للمشارك فيها التحول إلى فاعل ومفعول معه بدل مفعول فيه بلغة النحاة. فالحوار على حد تعبير أدغارموران يقتضي المساواة، فلا حوار بين العبد والسيد، ويمكن كل فرد من عرض وجهة نظره وبراهينه، إنه استعداد للاستماع للآخر وإقرار بكونه يستحق أن ينصت إليه إذا تحدث، وأن يتحدث إذا أراد .. وبديهي كذلك أن لا حوار إلا في القضايا المعلقة التي لا تحظى بدرجة الإجماع، كما أن التعددية في الحوار شرط لقيامه وإلا لتحول من Dialogue إلى مونولوج Monologue حديث المرء إلى نفسه!

يقول المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في مقدمة الترجمة العربية لكتابه الشهير (الثقافة والإمبريالية): إن فكرة التعددية الثقافية لا تؤدي بالضرورة إلى الهيمنة والعداوة, بل تؤدي إلى المشاركة, وتجاوز الحدود, وإلى التواريخ المشتركة والمتقاطعة، وهذا يعني إن حوار الحضارات والثقافات ينبغى أن يعزز التسامح والتفاهم ويعمل على إشراك الآخر، واستكشاف القيم المتبادلة عن الثقافة الأخرى للمساهمة في إزالة الكليشيهات والصور النمطية .. هذا مع ضرورة طرح


(١) حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن

<<  <  ج: ص:  >  >>