الهجمة منذ زمن بعيد، منذ فشل الحروب الصليبية في تحقيق اهدافها، وذلك عن طريق ما سمي الغزو الفكرى الذى كانت خطورته على العالم العربى والإسلامى اشد من الغزو العسكرى، حيث أدرك الغرب بعد فشل الحروب الصليبية أن الغزو العسكري للبلاد الإسلامية لابد أن يخفق مهما طال الزمن، ما لم يصاحبه غزو فكري يقضي على عوامل القوة والمنعة الكامنة في الإسلام. وفي هذا يقول كيرك:"أن الحروب الصليبية فتحت أذهان الغربيين إلى مستوى الحضارة في الشرق الأوسط، ذلك المستوى الذي كان يفوق بكثير حضارة الغرب. ومع تفتح أذهان الغربيين اتجه هؤلاء إلى غزو الشرق فكرياً بعد أن عجزوا عن غزوه عسكرياً".
ومصطلح الغزو الفكري من المصطلحات التي ظهرت في عصرنا الحديث بعد أن تعرضت كثير من دول العالم للاستعمار الغربي والذي عمل جاهداً على إبقاء سيطرته على هذه الدول حتى بعد زوال سيطرته العسكرية والسياسية عنها. وذلك عن طريق إبقائها في حالة تبعية فكرية واقتصادية لها. والغزو الفكري يقصد به بوجه عام ذلك الجهد البشري المبذول ضد شعب أو أمة من الأمم لكسب معارك الحياة فيها، وتسهيل قيادتها، وتحويل مسارها التاريخي عن طريق إخضاعها لثقافة وفكر غريب عنها وعن شخصيتها ومقوماتها التي تميزها، وجعلها تعيش في حالة تبعية فكرية، فتعيش عالة على الثقافات الأخرى. فالغزو الفكري مكمل لأساليب الغزو التقليدي ومساعد لها، وفي بعض الأحيان يكون بديلاً عنها، مع التقائه معها في الأهداف وإن اختلفت وسائل ومظاهر كل منهما. فبينما يعتمد الغزو العسكري على قوة السلاح وما تحققه الجيوش من انتصارات في ساحات المعركة، لتحقيق أهدافه، يعتمد الغزو الفكري على مدى دراية الغزاة وعلمهم بأحوال الأمة التي يراد غزوها، ومعرفتهم بمواطن الضعف والقوة في فكر وتراث هذه الأمة، فيعملوا على محاربة وتشويه مواطن القوة فيها، وزيادة مواطن الضعف بشتى الطرق. ومن مظاهر الغزو الفكري هي سيطرة ثقافة وفكر الدولة الغازية على ثقافة وفكر الدولة المغزوة، بحيث تظل هذه الدولة أو الأمة في حالة تبعية فكرية وثقافية للدولة الغازية.
فالغزو الفكري هو أن تسود أخلاق وعادات وتقاليد أمة من الأمم، أخلاق وعادات وتقاليد أمة أخرى. فإذا كانت الأخلاق والعادات والتقاليد تنبع من القيم