للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمثل الأصلية لأي أمة من الأمم ومن الظروف التي تعيش فيها، فإن تنكر الأمة لأخلاقها وعاداتها وتقاليدها هو تنكر لأصالتها ومسخ لشخصيتها وهويتها المميزة.

الغزو الفكري هو أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب أو تحل محلها أو تحاربها بإحياء اللهجات العامية فيها، فتعيش لغة المغلوب عالة على لغة الغالب فتصبح غريبة في وطنها ويدب فيها الضعف بسبب إهمالها وكثرة المصطلحات والمفردات التي تدخلها من خارجها. وإذا كانت اللغة هي وسيلة الإنسان للتعبير عن أحاسيسه وأفكاره، فإن ضعف اللغة من غير شك يؤدي إلى ضعف الفكر وخواء مضمونه. فيزداد الميل للتقليد الأعمى ويقل الابتكار والإبداع لدى مفكري الطرف المغلوب.

الغزو الفكري هو أن يعيش أدباء ومفكرو وعلماء أمة من الأمم عالة على أدباء ومفكري وعلماء أمة أخرى، ويتحولون إلى أصحاب وكالات فكرية لا يعرفون معنى للإبداع والابتكار، فيقومون بتبني أفكار ومذاهب ونظريات غريبة عنهم وعن مجتمعهم وشخصيتهم المميزة، متناسين خصوصية فكر وثقافة كل أمة من الأمم. وهذا هو العجز بعينه الذي يجعلهم يختارون أسهل الطرق وأخطرها عن طريق التقليد بدعوى عالمية الفكر والدعوة للتجديد والحداثة.

الغزو الفكري هو أن تهمل أمة من الأمم تاريخها وتراثها وتتخذ من تاريخ وتراث أمة أخرى مثلاً أعلى لها. فتهمل تاريخ أبطالها وسير النابغين من أبنائها فتفقد ثقتها في نفسها وتاريخها. الغزو الفكري هو أن يتعرض تاريخ وفكر ونظام حياة أمة من الأمم لحملات التشويه والتخريب والاحتواء من فكر أمة آخر. "فعندما يظهر تأثير أجنبي في شيء ذي أهمية جوهرية لثقافة ما مثل المؤسسات والمساجد، فهذا يعني أن الثقة بالنفس ثقافياً قد اهتزت. وعندما يغير الناس ملابسهم ويرتدون ملابس مجتمع آخر يكونون قد اتخذوا خيارا ثقافيا آخر (١).

وقد تعرضت الأمة الإسلامية كغيرها من الأمم الأخرى التي خضعت للاستعمار الغربي لهذا النوع من الغزو وعانت منه طويلاً ولا زالت تعاني. ولكن عندما يتعلق أمر الغزو الفكري بالعالم الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، فإن الكلام


(١) أين الخطأ؟ .. التأثير الغربي واستجابة المسلمين- برنارد لويس- ترجمة: محمد عناني-تقديم ودراسة: رؤوف عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>