للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتلاع أصحاب الأرض من أراضيهم، أو إبادتهم، ليتسنى لهم الاستقرار في الوطن الموعود (١).

والواقع أن الشوق إلى المسيح أو المخلص أو المهدي هو من شوق الإنسان إلى (الفردوس المفقود) أو (عصر الإنسانية الذهبي) الذي تتفق النصوص الميثولوجية على أن الإنسانية ولدت وعاشت في ظلاله ردحاً من الزمن قبل أن تبدأ مصاعبها، ولكن تطلع اليهود إلى المسيح المخلص لم يكن شبيهاً بغيره من تطلعات الشعوب الأخرى. فبالرغم من أن التطلع إلى بطل قومي أسطوري محارب يأتي في نقطة ما من زمن مقبل فيتحقق على يديه خلاص الجماعة البشرية المبدعة لأسطورته وانتصارها على أعدائها، ويحل بفضله عصر ذهبي من العلو والرخاء والسلم ـ هو تطلع أنساني قديم نجده شائعاً في ثقافات العديد من شعوب العالم القديم، التي أقام أودها وصلب عودها دائماً ما ظلت تبدعه من أساطير .... غير أن شعوب الشرق الأدنى القديم التي أبدعت أساطير عامه عن أبطال منقذين كانت شعوباً مستقره في أوطانها، ولم تكن قبائل من بدو رحل باحثه عن ارض تغزوها وتستوطنها مستجلبه باستمرار قدراً غير مألوف من الكراهية والعداء بفضل ما اتصفت به من جشع وشراسة دموية وما امتلأت به من مشاعر الخصوصية.

ولذا نجد أن الحلم العام في حالة الشعب اليهودي اتصف بخصوصية فريدة. ففي حين حارب جلجامش ضد البغي وذهب إلى حد تحدى الموت ذاته، وتمرد بروميثيوس على الاحتكار السماوي للنار فسرقها ليضع أقدام البشر على درب الحضارة ودفع ثمناً مخيفاً لتمرده، نجد أن البطل، المسيح المنتظر الذي تمخض عنه شعور اليهود محاطاً بمخاطر ما أحاطته دمويته به من كراهية وعداء حيثما حل، بطل يقول له يهوه: "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك .. الرب يهوه عن يمينك يحطم في يوم زجره ملوكاً يدين بين الأمم. ملأ جثثاً أرضاً واسعة. سحق رؤوسها" (المزمور١١٠: ١ـ٦) (٢). والمقارنة بين الحالتين تدل على طبيعة النفس العبرية وهي طبيعة عنيفة حاقدة .. وتدل على ان النص التوراتي لابد وان يكون قد حرف


(١) الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي - جورجي كنعان ص١١١
(٢) المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>