للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العصور اللاحقة، لاسيما عصر المنفى وهو عصر الحقد الاكبر، فعكس روح الحقد والكراهية والعنف (١).

ففي السبي البابلي أخذ اليهود يتطلعون إلى مجيء بطل يعيد لهم (مملكتهم) الضائعة لا بعملهم وكدهم، بل بعمل خارج عنهم، ومن الطبيعي أن ينظر الإنسان، إذا ما حل بما حوله الانحلال والتدهور، إلى عصر ماض، يعكس عليه آماله وتطلعاته، وعندما جال العقل اليهودي، خلال السبي البابلي بنظره في العصور السالفة، توقف عند عصر داود، واخذ العقل اليهودي ينصبه في مخيلته مثالاً لما يجب على التاريخ أن يكون، فالعصر الداودي بخيره المادي الكبير وبثرائه ورخائه وباستقراره السياسي، ووحدته أصبح في نظر اليهودي عصراً ذهبياً، لم يكن التطلع إليه مجرد أمل، أي الأمل بحدوث شيء معين طيب، وإنما كان التطلع إليه تطلعاً إلى تحقيق مشيئة الرب، لأن الدولة الداوديه هي مشيئة الرب في الأرض، والتطلع إلى تحقيق مشيئة الرب تعبد (٢). ولذلك أصبحت مملكة داود مثلهم الأعلى، وكانوا كلما ساءت ظروفهم وتدهورت أحوالهم، كلما أمعنوا في إضفاء الرونق والجلال على عصر داود، إلى أن جعلوا منه صخرة خلاص، عليها تتحطم الأمم جميعها ومنها يكون خلاص اليهود.

هكذا كانت البدايات الأولى لظهور النزعة المسيحانية لدى اليهود منذ بداية زوال (دولة) اليهود التي كانت قائمه في فلسطين، أي منذ هدم الهيكل. فمنذ ذلك الحين، فيما يروى مؤرخو اليهود ظهر الاعتقاد بمجيء (المسيح) الذي سوف يخلص بني إسرائيل من المنفى، ويعيد إليهم مجدهم التليد وقد اتخذ هذا الأمل المسيحاني شكل أمل مزدوج: أمل مزدوج في العودة إلى العصر الذهبي لليهود، وأمل في قيام عالم أفضل مختلف كل الاختلاف عن عالمنا، وهذا الخلاص المسيحاني لن يحدث إلا عند نهاية الزمن. والتعجيل بمعجزة مجيء العصر المسيحاني لا يمكن أن يأتي إلا من الله، وما على الإنسان إلا أن يصلي لله ويحسن عمله أملاً في ألا يتأخر الخلاص، وكل محاولة للعودة إلى ارض إسرائيل قبل ظهور الإشارات الآلهيه، كفر وهرطقة وثورة


(١) اصول الصهيونية في الدين اليهوي - د. اسماعيل راجي الفاروقي - ص١٨ - مكتبة وهبه - ط.٢ ١٩٨٨
(٢) اصول الصهيونية في الدين اليهودي - د. اسماعيل راجي الفاروقي - ص ٦١ - مكتبة وهبه - ط٢ ١٩٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>