للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزءاً من ذلك التراث الذي تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل. فقصة التكوين البابلية وقصة الطوفان هي نفسها التي تحدثت عنها القيم المسمارية قبل ألفي عام من أحداث التوراة، وقصة أيوب، والأمثال والمزامير، والأناشيد، كانت كلها بعضاً من التراث المتداول، جمعه مدونو التوراة إلى جانب أخبار تلك العشائر البدوية العربية في منطقة عسير من شرق بلاد غامد في شبه جزيرة العرب (١).

ويكشف فرويد عن النهب اليهودي من الديانة المصرية عند حديثه عن ثنائية العقيدة الدينية عند اليهود فيقول: "أن كلمة (أدوناي) في العبرية ـ وهى اسم الرب في العقيدة الموسوية ـ هي تحريف لكلمة آتون المصرية ـ أي إله التوحيد. ويعرض العلامة ديورانت في (قصة الحضارة) الفارق بين ديانة التوحيد الموسوية من جهة، وديانة أحبار التوراة في وقت لاحق من جهة أخرى فيقول: إن تراتيل إخناتون في تصوير الإله ليست من أولى قصائد التاريخ الكبرى فحسب، وإنما هي شرح بليغ لعقيدة التوحيد، إذ يرى أن إلهه هو رب الأمم كلها. وفي مديحه له يذكر مصر قبل غيرها من البلاد التي يوليها كلها عنايته. ويعلق (ديورانت) على ذلك بقوله: إلا ما أعظم الفرق بين هذا وبين العهد القديم، عهد اله القبيلة ... الخاص بفئة معينة. ثم يضيف ديورانت فيقول: ثم انظر إلى ما في القصيدة من مذهب حيوي حينما يقول: أن "آتون" لا يوجد في الوقائع والانتصارات الحربية ... وإنما في أزهار الأشجار، وفي جميع صور الحياة والنماء .. وليس كيهوه رب الجيوش، بل كان رب الرحمة والسلام" (٢).

وهكذا فأنه يمكننا بسهولة ملاحظة أن النهب في الأسطورية السومرية/ البابلية، كان على نطاق واسع، مثلما كان من الأسطورية المصرية والاختلاف الوحيد بين أسطورتي الخلق البابلية واليهودية أن البابلية حسمت الصراع بين الإله (مردوخ) وقوى الفوضى الأولى (تيامات وجيشها) بانتصار مردوخ الكامل عند بدء الخليقة، بينما جعلت الأسطورة اليهودية الصراع مستمراً ومتواصلاً إلى أن يحسم في آخر


(١) العرب الساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل ـ د. احمد داوود ص٩٥ - طباعة دار المستقبل /دمشق- ط١ ١٩٩١
(٢) رسائل حضارية في مواجهة اليهوديةـ الأب فوتيوس خليل ـ ص٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>