للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد قُضي على الحركة النبوئية المتطلعة إلى العالمية وانتصر التعصب تحت وطأة عصا طبقة الكهنوت التى كانت بعد سقوط المملكة تمتلك جميع السلطات، تدعمها في ذلك سلطة المحتل الزمنية، حيث يمكن القول ان فترة السيطرة الفارسية هي التى تمت فيها عملية اضفاء الطابع القانوني على الكتب المقدسة، وهذا يعني ان التشريع اليهودي لم يكن نقطة البداية في تاريخ اليهودية اذ ان نقطة البداية تعود فعلاً، إلى عصر السبي البابلي ثم جاء التشريع الموسوي متأخرا عنه (١). وهكذا الغي منذئذ كل تطور جديد وبدأ حكم المجامع الدينية وأحبار الشريعة، و قضى كلاً من عزرا ونحميا على مستقبل هذا الازدهار الرائع لثقافة الانبياء ونزعتهم الروحانية ... ولم يعمل الانتقال من الخضوع للسيطرة الفارسية إلى نير السيطرة اليونانية على فلسطين (٣٣٢ - ٣٣١ق. م) على احداث ايه تغيرات عميقة في الحالة الراهنة.

وهكذا كان تسلم جوزياس للسلطة عام ٦٣٩ ق. م منعطفاً في تاريخ فلسطين والديانة اليهودية: "فلقد راح صوت الانبياء يخمد بعد تلك الهبة النبوية الكبيرة، لان ما زرعه الانبياء من خميرة حية قوية في العقيدة اليهودية، قد أجهزت عليه الطقوسية الحرفية للتقاليد الدينية التى طغت عليها الاعتبارات السياسية، ووقعت هذه الجماعة التى اغنت التراث الروحي الانساني بتعاليم انبيائها، لسلطان شكلانية النصوص وحرفية الشريعة ولن يقدر لها أن تسهم إسهاماً نوعياً في التاريخ العالمي" (٢).

ويمكن تسمية هذه الفترة بعد السبي البابلي بالقرون المظلمة في تاريخ فلسطين، فلقد جفت ينابيع الابداع الروحي وتحجرت روح الايمان وطغت المؤامرات السياسية المشتبكة الجشعة. هذا، وفي ظل حكم ملوك يهودا المعتمدين على المحتلين المتناوبين عليهم لم تنقطع فلسطين عن اداء دورها التاريخي فحسب، بل صارت أداة مسخرة في يد القوى الغربية الكبرى. لقد توقف الابداع الروحي في هذه المرحلة التاريخية الخاضعة لنير ملوك محتلين مغامرين متعاونين مع كل الاسياد


(١) ما بعد اسرائيل - بداية التوراة ونهاية الصهيونية - احمد المسلماني- ص ٤٩
(٢) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص١٠٠ - ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>