الهيكل نهائياً (١). والذي يهمنا هنا هو ظهور المسيح عليه السلام، الذي أرسله الله ليصلح حال اليهود الذين عادوا إلى سابق عهدهم، في تخليهم عن أوامر الله ونواهيه وانحرفوا عن الطريق القويم بالرغم من أن الله أرسل لهم العديد من الرسل لهدايتهم، ولكنهم رفضوا دعوتهم وتآمروا عليهم فحلت بهم المصائب وعاشوا في ضيق شديد، واخذوا ينتظرون ظهور مسيح ليخلصهم مما هم فيه من تشتت واضطهاد، جلبوه على أنفسهم بسبب ضلالهم وانحراف كهنتهم الذين حرفوا أوامر الله ونواهيه، فعاش عامة الناس في ضيق وضياع شديد، بسبب ظلم الحاكم الروماني من ناحية، وانحراف كهنة الهيكل من ناحية أخرى.
وقد سبق لنا أن رأينا كيف تحجر وانكمش ذلك الايمان الأول العظيم وبخاصة بعد النفي، فالشكلانية والانكماش والتعصب العرقي تتجلى كلها لدى الجماعة اليهودية في زمن المسيح بكل فئاتها. في القمة طبقة رجال الكهنوت من الصدوقيين .. حيث ترفض هذه الطبقة كل ما لم يرد حرفياً في الشريعة، وترفض كذلك كل اجتهاد وتجديد. أما امتيازاتهم الكنسية فكانت وراثية. ومنذ ان فقدت فلسطين استقلالها راحوا يتعاونون مع المحتل الفارسي، ثم المصري ثم اليوناني فالروماني. وقد ظهر الفريسيون آبان حكم المكابيين حينما رفض هؤلاء متابعة النضال السياسي بعد حصولهم على حرية العيش حسب تعاليم التوراة بصرامة وتشدد، فعليهم إذن أن يلتزموا بالشريعة التزاماً حرفياً دون أي تنازل كي يطبقوها على كل مسلك حياتي يومي، منطلقين من تفسيرات تبريرية ملزمة ليجعلوا الحياة اليومية مجموعة من الطقوس الشكلية الضيقة. والى جانب هذه اليهودية الرسمية هناك جماعة الاسينيين التي انفصلت عن العالم لتعيش في الاديرة حياة الرهبنه، بما تقضية من التزامات أخلاقية صارمه مبنية على تفسير تنائي يقتضي الانقطاع عن العالم لتكوين (شعب الله) الحقيقي والعيش على أمل رؤيوي في انتظار (رب العدالة). أما يسوع فقد ظهر بمعزل عن كل هذه الطوائف، والشخص الوحيد الذي يرتبط به هو يوحنا المعمدان. "لقد تنبأ يوحنا المعمدان بمجئ ملكوت الله كما سيتنبأ به يسوع، وقد دعا الناس جميعاً لا اليهود وحدهم إلى أن يعدوا أنفسهم لذلك.
(١) العرب واليهود في التاريخ - د. احمد سوسه - ص ٦٧٦