للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في إنجيل متى: "لا تظنوا أن ابراهيم أب لكم وحدكم لأني أقول لكم إن الله قادر أن يصنع من هذه الحجارة أولاد لابراهيم". وهذا ليس قطيعة أو انفصالاً عن (الشعب المختار) و (العهد) و (الوعد) ولكنه رفض لقصر صفة (شعب الله) على شعب مخصوص يورث كل ما وعده به الله لنسله.

ان هذا الانتقال من الإطار القومي إلى العالمية هو ما بشرت به رسالة يسوع" (١).

ومن أمثلة انحراف الكهنة وتضييقهم على الناس هو ما قام به الكاهن عزرا، الذي حرم الزواج من اجنبيات واجبر اليهود على ترك زوجاتهم الاجنبيات. وتطور هذا الأمر مع ورثة عزرا من كهنة وقسيسين بحيث انه في الوقت الذي ظهر به يسوع مبشرا بدعوته كان هناك ما لا يقل عن ستمائة قانون تقيد اليهود في جميع تصرفاتهم اليومية، ومن هنا إذا عدنا إلى العهد الجديد لوجدنا إن يسوع كان يتحدى هذه القوانين، والأمثلة على ذلك كثيرة أبرزها قوله: "هل صنع الإنسان للسبت أو السبت للإنسان؟ ". وهكذا فانه يمكننا النظر إلى دعوة السيد المسيح عليه السلام كمحاولة لكسر هذا الطوق العنصري ولإطلاق نظر هذه الجماعة التي انغلقت على نفسها، لكي تعيش حياة عادية على أساس أبوة الله لجميع أبناءه وإخوة البشر ومحبتهم لبعضهم بعضاً، وهذا هو جوهر الدعوة التي أطلقها يسوع وهو جوهر الحضارة السورية كلها، جوهر محبة وانفتاح منذ فجر التاريخ، من هنا كان لا بد من قتل يسوع لكي لا يكسر طوق العنصرية هذا" (٢).

في مثل هذا الظرف ولد السيد المسيح عليه السلام، وبرزت على صفحات ذلك العصر المريج صورة مشرقة .. زالت معها شرائع الهيكل وشرائع روما. فقد جاء سيدنا عيسى برسالة جديدة تدعوا إلى المحبة والتسامح والغفران، فأقبلت عليه الجموع حتى أحست السلطة الدينية والدنيوية بالخطر المقبل من ذلك الداعية المحبوب الذي التفت حوله الجموع .. فجاءوه في ميدانه بعد أن ترك لهم ميدانهم، ووقع الاشتباك الذي لابد منه بين سلطة شعارها المبالغة في الاتهام والبحث عن المخالفات والعقوبات، وبين دعوة شعارها تيسير التوبة للخاطئين وتمهيد سبيل الرجاء في


(١) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص١٠٩ - ١١٠
(٢) أسطورة هرمجدون والصهيونية المسيحيةـ عرض وتوثيق هشام آل قطيط ـ ص٢٤٦ـ٢٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>