للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصة إلى عامة، ومن أمة واحدة إلى سائر الأمم، واندثرت مع يسوع الأسطورة القاتلة، أسطورة (الشعب المختار) والتي هي تبرير أيديولوجي لكل سيطرة سياسية أو دينية.

"لقد كان ظهور المسيح ـ في الواقع ـ هو اللحظة التي انفتحت فيها طاقة رائعة في تاريخ البشر والآلهة: انه المسيح الذي عده البشر أفضل ممر للكمال الإلهي، انه أكثرهم ضعفاً وتجرداً من المال، وما من شيء في الماضي اليهودي أو اليوناني كان ينبئ بمثل هذا التحول الجذري لفكرة الإنسان عن الإله: فالمسيح ليس ابنا لزيوس ولا ليهوه ولا لأي اله قدير، فمع المسيح لم يعد التعبير عن التعالي الإلهي يتم بكلمات خارجية أو سلطوية، القطيعة هنا كانت جذريه، قطيعة مع اله الأسلحة زيوس الذي يلوح بسيفه في مهارة صاعقة، منذ مجيء المسيح لم يعد التعالي والتجاوز اللإنساني يتصور وفق سلطة الحكام المقتدرين، الذين يحكمون من أعلى السموات أو من على قمة جبل الأوليمب على أفعال البشر، يهبونهم النصر أو يلحقون بهم الهزيمة ليصلحوا أمرهم أو يهذبوهم. إنما هو المسيح الذي عاش ابسط حياة البشر بلا جاه ولا مال ـ فقد مات ابسط ميتة، ميتة العبيد المتمردين فهؤلاء وحدهم كانوا يسمرون على الصليب" (١).

نعم .. لقد كانت حياة يسوع خرق مستمر لشرائع التوراة اليهودية. فبينما يحكم الله، في العهد القديم، على الذين لا يقبلون شريعته بالإبادة أو بعذاب الهاوية (تثنية ٢ـ٢٢، اشعيا ١٣ـ٩، أيوب ٢٤ـ١٩)، يقول يسوع على العكس: "إني لم آت لأدعو الصديقين بل الخطاة" (مرقص ٢ـ١٧) (٢). شريعة هذا حالها كان لابد لها من الصدام مع شريعة الهيكل وشريعة الحاكم الروماني، وكان السجال بينهما هو السجال بين شريعة الحب والضمير، وشريعة الظواهر والأشكال. فكان لابد من التخلص من صاحبها، وتنحيته جانباً (٣) .. وكل ذلك يظهر أن موت يسوع ناجم عن حياته وأقواله وأفعاله: "أن خرقه المستمر للتوراة يستحق، في نظر الكهنة اليهود، الموت مراراً.


(١) كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي ـ د. منى طلبهـ ص٢٤٠
(٢) نحو حرب دينية؟ جدل العصر ـ روجيه جارودى ص١٦٣
(٣) حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص ١٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>