للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثقافة اليهودية (١)، والتناقض واضح بين ما قاله المسيح وما قيل للقدماء في العهد القديم:

"قيل للقدماء لا تقتل ومن يقتل عليه العقاب. أما أنا فأقول لكم إن من يغضب على أخيه باطلاً يأثم ويجزى".

"قيل للقدماء لا تحنث. أما أنا أقول لكم لا تحلفوا .. وليكن كلامكم كله نعم ... نعم .. لا ... لا .. وما زاد على ذلك فهو من الشيطان".

"سمعتم انه قيل عين بعين، وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فحول له خدك الأيسر، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه ميلين".

"سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، واغفروا لمن يسئ إليكم ويطردكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات، فانه يطلع شمسه على الأشرار والصالحين ويرسل غيثه للأبرار والظالمين. وأي اجر لكم إن أحببتم من يحبونكم .. أليس العشارون يفعلون ذلك؟ وأي فضل تصنعون إن خصصتم إخوتكم بالسلام؟ أليس العشارون يفعلون ذلك؟ فتعلقوا انتم بالكمال، فان الله كامل يحب الكمال".

بهذه الشريعة ـ شريعة الحب ـ نقض المسيح كل حرف في شريعة الأشكال والظواهر، وقضى على شريعة الكبرياء والرياء وعلم الناس أن الوصايا الإلهية لم تجعل للزهو والدعوى والتيه بالنفس ووصم الآخرين بالتهم والذنوب، ولكنها جعلت لحساب نفسك قبل حساب غيرك، وللعطف على الناس بالرحمة والمعذرة، لا اقتناص الزلات واستطلاع العيوب (٢)، شريعة فتحت ملكوت السماء أمام الجميع، بعد أن أغلقها كهنة اليهود، في وجه الشعوب الأخرى "الأمميين"، حيث تحولت الدعوة من


(١) نحو حرب دينية؟ جدل العصر - روجيه جارودي - ص١٦٤ - دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع- ط.٢ ١٩٩٧
(٢) حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص ١٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>