للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استشهاده بالنصوص المقدسة أو بالتعاليم ... وحينما يشير إلى الشريعة يتحدث عنها حديث انسان يقطع صلته بالتقاليد المتحجرة، وإن كان يصرح بأنه لم يأت لينقض العهد. ولكنه يعارض الشريعة حيناً ويهجم على السبت بجرأة ويصرح بأن السبت خلق للانسان ولم يخلق الانسان للسبت، وهو لا يراعي المحرمات الخاصة بطقوس الطهارة. وفي (موعظة الجبل) يشكك في شريعة موسى لا ليهجم على حرفيتها ويدعو إلى الأخذ بروحها فحسب، بل ليربطها بالوجدان الذاتي الداخلي. إنه يتناول شريعة موسى بقوله: "قيل لكم قديماً: العين بالعين والسن بالسن. وأنا أقول لكم. من ضربك على خذك الأيمن فأعطه الأيسر". ومن الصعب عليك أن ترى في شريعة المحبة إكمالاً للعهد، إنها تنقضه وتنفيه.

"قديماً قيل لأجدادكم .. أما انا فأقول لكم"، إن هذه اللازمة التي رددها يسوع في موعظته على الجبل تظهر لنا ما في رسالته من نقض لشريعة موسى. إن يسوع يحرر مفهوم الإرادة الإلهية من تحجره في ألواح شريعة موسى، يحرره من كل شكلانية وحرفية وطقسية ضيقة. وحينما يسأله أحد أحبار اليهود المسيح قائلاً: "ما أهم وصية في الشريعة؟ " يجيبه يسوع بقوله: "أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. تلك هي الوصية الأولى والكبرى. أما الثانية فمثلها وهي: أن تحب قريبك مثلما تحب نفسك". بهاتين الوصيتين يتلخص الناموس وشريعة الأنبياء. إن هذا الحب ينقض نقضاً جذرياً مفهوم الحب لدى اليونان وكذلك مفهومه لدى اليهود .. ان مفهوم الحب لدى اليونان هو ليس حب الآخرين بل هو الحب للحب. .. أما المحبة - حسب رسالة يسوع- فلا تقيم فرقاً بين الغريب وبين المواطن في مدينة أو الفرد في قبيلة، ولا بين الصديق والعدو ... ان هذا الحب هو بداية لإنسانية جديدة تهئ نفسها لاستقبال ملكوت الله الآتي.

ومن الواضح هنا التناقض الجوهري بين تعاليم السيد المسيح وبين ما جاء في العهد القديم، فحياة يسوع كلها، أقواله وأفعاله، هي في الواقع، إدانة للإيمان

<<  <  ج: ص:  >  >>