القدس عاصمة لهم. ولكن لما لم تكن أي نبوءة من تلك النبوءات قد تحققت حتى عصر الهيكل الثاني، فإن النتيجة التي لا مهرب منهاـ كما يقول اليهودـ هي أن عيسى عليه السلام ادعى باطلاً انه مسيح الرب.
فالإنعام بلقب (مسيح الرب) على أي بطل أسطوري أو تاريخي .. ظل مرتبطاً بالاعتبار الأساسي في الديانة اليهودية، وبالغرض الذي نشأت من اجله أصلاً، وهو إقامة الملك ودوامه ... فقورش بات ـ لوقت ـ المسيح المنتظر رغم عدم عبادته ليهوه، بل وعدم كونه من شعب يهوه المختار أصلاً. فاشعيا يؤكد أن يهوه قال له عن قورش:"انه راعى، فكل مسرتي يتمم. لأنه يقول أورشليم إنها ستبنى ويقول للهيكل سوف تؤسس"(اشعياء ٤٤:٢٨). وبذلك الوعد من قورش بإعادة بناء أورشليم والهيكل الثاني بات قورش المسيح المنتظر وقد جاء ليحقق النبوءة:"هكذا يقول يهوه لمسيحه قورش .. "(اشعياء ٤٥: ١).
غير أن ذلك الرضا اليهودي كله كما صوره اشعيا كان في غمار فورة الفرح بانتصار الفرس على بابل، التي من عنف وحشية الكره اليهودي لها تغنى منشد المزامير قائلاً "انه مبارك كل من يمسك بأطفالها ويهشم رؤوسهم على الصخر". أما بعد أن فترت الفورة وخمدت النار، فإننا نفاجأ في التلمود بيهوة وهو يشكو لمسيحه قائلاً:"إني أشكو لك من قورش! فقد كنت أظن انه سيعيد بناء بيتي ويجمع شعبي من المنفى! ولكنه لم يفعل أكثر من انه قال: من منكم من كل شعبه يرغب في العودة ليكن ألهه معه ويصعد إلى أورشليم"(سفر عزرا ١: ٣).
وعلى إيه حال، فإننا نجد أن المسيح الموعود لم يأت لليهود، وأنهم ظلوا يأتون في شخص هذا وذاك من أبطال حكايتهم المتفق عليهم، وظلوا يكتشفون أن من أتوا به ليس هو. وعندما ظهر يسوع، عيسى بن مريم، وقال انه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله، وظل يتحدث عن الأب الذي في السموات بدلاً من رب الجنود المحارب المنتقم، وألقى موعظة قال فيها:"طوبى لصانعي السلام"، لم يكن من الممكن ـ بطبيعة الحال ـ أن يعترف به أحد بوصفه المسيح المحارب المنتظر، بل وصف (معاذ الله) بالمجنون وبالمشعوذ وبالدجال وبالمضلل وبمفسد إسرائيل