للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهادمها" (١). لأنه نفى أن يكون لمهمته أي علاقة بالحرب أو سحق الأعداء أو تأسيس مملكة جغرافية على الأرض. فقد أوضح لليهود بجلاء انه لم يأت لكي يقودهم في حرب ضد إمبراطورية روما (٢) بل بشرهم بقوله: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون". فالمسيح الذي وعد يهوه اليهود به، مسيح محارب صنديد أشبه بالسفاح يشوع. وعيسى يقول هنا عكس ذلك، وانه جاء ليكون صانع سلام وليعظ البشر بأن يكونوا صانعي سلام، وينبههم بأنهم يصبحون أبناء الله فقط عندما يكونون صانعي سلام. وهذا النص يناقض بالكامل الموقف التوراتي من أساسه. فاليهودية جعلت الإله "رجل حرب، ورب الجنود" والمسيح يناقض ذلك باله رحيم وآله سلام.

يقول (ايثلبرنت ستوفر) من جامعة علوم الدين بزيورخ: "المسيح يعلن رسالة جديدة من الله وديناً جديداً لم يعد لها أي اتصال بالتوراة". ويقول عالم آخر من علماء الدين هو (جنزاليس فوس)، في كتابه (القرب من يسوع): "أن الرب الذي دعا له يسوع ليس هو الرب الذي دعا إليه العهد القديم" (٣). فاليهودية علمت اليهود، أنهم لا يحصلون على رضا يهوه إلا إذا ظلوا شعباً محارباً دموياً. وفي العهد القديم نصوص كثيرة لا تحصى تبين أن ذلك الإله المحارب أوشك أن ينقلب على شعبه فيفترسه في كل مره قصر الشعب فيها لسبب أو لآخر، عن القيام بمذبحة جماعية أمر بها. وعندما استجلب الشعب على نفسه بتلك الشراسة الدموية عداء وكراهية كل من احتك به أو عايشه من شعوب، وتعرض للتدمير والسبي والمذلة والتشتيت، كان وعد معبودة له بالخلاص والفداء على يدي مسيح محارب دموي ينفذ "سخط الرب على كل الأمم وغضب الرب على جيوشهم ويحرمهم ويدفعهم إلى الذبح حتى تطرح قتلاهم ويصعد نتن جيفهم وتسيل الجبال بدمائهم" (اشعياء ٣٤: ٢ـ٣)، إذ يقود جيش الشعب في يوم الهول هذا الذي يعد يهوه شعبه بأن "يضرب فيه كل خيل الشعوب المعادية لإسرائيل بالعمى وراكبيها بالجنون ويجعل أمراء يهودا كمشعل نار فيأكلون كل الشعوب عن اليمين وعن اليسار ويلتمس هلاك كل الأمم الآتين على أورشليم"


(١) المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص٥٥
(٢) المسيحية والإسلام والاستشراف ـ محمد فاروق الزين ص٢٨
(٣) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص ١٦١)

<<  <  ج: ص:  >  >>