لقد كان بولس حريصاً على أن يجعل من يسوع، خلافاً للسنة التقليدية اليهودية، الفصل النهائي في العهد القديم، وإتماماً للمواعيد التي وعدت بها إسرائيل، حيث ألزم نفسه منذ البداية بمهمة أساسية وهى أن يجعل من يسوع (مسيا إسرائيل)، هذا بالرغم من أن يسوع (المسيح) رفض دائماً هذا اللقب المرتبط بنظام اليهود السياسي (١). لهذا فقد اخذ بولس يبشر بقرب نهاية العالم وعودة المسيح ثانية ليكمل ما لم يكمله في نزوله الأول، مستلهماً كل ذلك من أسفار العهد القديم.
فقد رأى بولس أن حياة ومعاناة المسيح (وموته وقيامته) وصعوده إلى السماء، كلها لم تكن سوى مؤشرات لنهاية العالم، وكان يعتقد أن قدره القيام بدور فريد في أحداث عصره، ومن هذا الدور إنذار المؤمنين بالنهاية الوشيكة، حيث كانت تلك القوة الدافعة وراء مهمة بولس، وكان الوقت قصيراً يوشك على النفاذ، والعالم على وشك أن يتبدد:"أقول لكم يا إخواني أن الزمن ـ الباقي ـ قصير وان العالم بشكله الحالي قارب نهايته"(رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس ٧/ ٢٩،٣١). وبعد أن انتهت حسب رأيه مهمته التبشيرية في المشرق، بدأ يخطط للذهاب إلى أقصى العالم ـ إسبانيا ـ لينذر الناس هنالك أن عليهم التوبة قبل النهاية الوشيكة، وكتب إلى أتباعه في روما يقول:"وحيث لم يعد مكان لي في هذه المناطق - في المشرق فسأمضي ماراً بكم إلى إسبانيا"(رسالته إلى أهل روميه ١٥/ ٢٣،٢٨). كان يخشى أن يدركه الوقت فينتهي العالم قبل أن ينذر الناس في إسبانيا وفي طريقه إليها، كان يريد المرور بروما للقاء أتباعه فيها.
لقد كان لدى بولس هاجس قوي، بل عقيدة أن (الرب) -يقصد نهاية العالم حسب تعبيره- كان وشيكاً، ليس بالنسبة له بمفرده، وإنما للعالم أجمع، وقد تكون هذه أكثر معتقداته أهمية وأقواها من حيث كونها القوة الدافعة وراء نشاطه التبشيري، وقد توقع بولس حدوث هذه النهاية حرفياً وليس مجازاً، وعاجلاً وليس