للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آجلاً، أي خلال أيامه شخصياً وأيام معاصريه (١). ولهذا فإن بولس لم يكن ينوي تأسيس ديانة جديدة للأجيال القادمة حتى أن كلمة (المسيحية) لم تظهر في كتاباته ولا مرة واحده، لقد كان همه الأول إنذار البشرية بالنهاية القادمة، وبالعودة الثانية للمسيح.

والمسيح الذي كان ينتظره بولس ويبشر بنزوله، مختلف كلياً عن عيسى المسيح عليه السلام، بل هو مسيح يهودي، محارب من نسل داوود. كتب بولس مبشراً بمجيء المسيح الثاني، وكأنه مجيء داود جديد منتصر: "انه لا بد أن يملك إلى أن يضع جميع أعدائه تحت قدميه" (رسالة إلى أهل كورنته ١٥ـ٢٥). وهو هنا يرجع إلى مزمور داود (١١٠) الذي يعظم القوة الحربية التي لا هوادة فيها: "الرب يحطم في يوم رجزه ملوكاً .. ملأ جثثاً أرضاً واسعة، سحق رؤوسها" (المزامير١١٠ـ٥ـ٦) (٢).

وهنا يجب أن نلاحظ كما يقول جارودى: "إننا لا نجد، لدى الإنجيليين، أي رجوع إلى مذابح السكان الوثنيين أو المشركين، وهى مذابح أوجبها إله قاس (تثنية ٢٠ـ١٦)، إلا عند بولس الذي يستذكر استئصال الكنعانيين كسابقة تبشر بانتصارات أخري" (١٣ـ١٦ـ١٩). فمثله مثل جده الملحمي، سوف يضع المسيح كل أمراء الأرض عند أقدامه (الرسالة الأولى لكورنثوس ١٥: ٢٥)، لان مسيح بولس يعود إلى القانون الذي يقضي طبقا لقانون (تاليون)، قانون (العين بالعين)، إنه مسيح الله الذي يثأر ويجد العدل في رد الإيذاء بالإيذاء (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس)، ويقدم بولس دليلاً تاريخياً على قدرة الله، يتمثل في انه بعدما قضى على سبع دول من بلاد كنعان، وزع أراضيهم كميراث (أعمال الرسل ١٣:١٩) أنها الفقرة الوحيدة في الأناجيل التي ترد فيها هذه المذابح بوصفها علامات على عناية الله، ومنذ ذلك الحين أسس لاهوت بولس تحت اسم المسيحية، لاهوتا للسيطرة (٣).


(١) المسيحية والإسلام والاستشراف - محمد فاروق الزين ص١٤٨ - ط ٣/ ٢٠٠٢ - دار الفكر المعاصر / بيروت
(٢) نحو حرب دينية؟ جدل العصر / روجيه جارودى ص١٨٥
(٣) كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي ـ د. منى طلبه ـ ص٢٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>