دون تبجح أنه كان لي ولآخرين غيري دور ما في هذه الحركة". أما عن المستقبل الذي يتصوره لفلسطين، فقد بيّن كوندر "أن الذي نتوقع أن نراه في فلسطين، إذا كان مستقبلها سلمياً، هو زيادة تدريجية في عدد السكان المزارعين (يقصد المستوطنين اليهود)، وانتشار المستعمرات المزدهرة. أما الفلاحون المسلمون الذين أخذ تطرفهم يخبو تدريجياً، فإنهم بتعرضهم لهذا النفوذ سيزدادون ذكاءً ونشاطاً، ولكنهم لن يعودوا سادة البلاد، وأي محاولة عنيفة للتدخل في تطور بلد، يستطيع إعالة شعب كبير مزدهر تطوراً سلمياً، سيؤدي حتما إلى حدوث مشكلة فلسطينية هائلة ينبغي حلها في (كركميش ومجدو) " (١).
فبالإضافة إلى ما جاء من اعتراف صريح حول إسهام (صندوق استكشاف فلسطين) في إيجاد مرتكزات مادية للمشروع الصهيوني، توضح روح ونبرات هاتين الشهادتين، كما لو أن (بيسانت وكوندر)، يتحدثان بلسان شخصية صهيونية معاصرة، الأمر الذي يشير إلى حالة من التوحد في الرؤية مع الصهيونية في مرحلتها الجنينية آنذاك .. فمن نفي الهوية القومية الواحدة لعرب فلسطين، إلى الثناء على (القدرات اليهودية)، إلى مقولة (الصفة اليهودية للبلاد)، ثم إلى (الرسالة التمدينية والتطويرية للاستعمار اليهودي وانعكاسها على الفلاحين العرب)، ما هي إلا إشارات قليلة، لكنها توحي بالكثير من النزعات الصهيونية، التي كانت تعتمل في نفوس العاملين ضمن (الصندوق)، ولا تختلف بشيء عما دأبت الصهيونية على ترويجه ..
ولكن تظل نقطة أخيرة، تفوح منها رائحة القتل والإبادة التي تنتظر الشعب الفلسطيني، في ظل الصراع على الأرض، هي الإشارة إلى ضرورة (حل المشكلة الفلسطينية)، التي ستنشأ على طريقة الحروب التي حُسمت في التاريخ الغابر، أو لنقل في الرواية التوراتية، في منطقة كركميش ومجدو. إن مجرد التذكير بكركميش ومجدو بالنسبة لقارئ (الكتاب المقدس) ينبئ عن فهم حرفي للرواية، ومحاولة إسقاطية على العصر الحديث. ومن المقدر أن يكون الصهيونيون، فيما بعد، قد استلهموا من هذه الفكرة مما يعزز طبيعة كيانهم الإحتلالي التوسعي في
(١) أبحاث توراتية في فلسطين ـ القس الأميركي ادوار روبنسون (أستاذ أدب التوراة في كلية الاتحاد الدينية بنيويورك)