للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فاليهود لم تستند على أعتاب صدورهم أو تطرق أبواب نفوسهم القيم الإنسانية، والفضائل الخلقية، كإطعام الجائع، وإعطاء المحتاج، وحماية الخائف، التي كان المصري القديم يقدسها معتقداً أنها الأساس في حياته، وفي مماته أيضاً. وعلى النقيض كان بنو إسرائيل في الأخلاق والسلوك. فقد عبروا عن محبتهم وحسن معاملتهم بطوفان من الحقد العنصري المرير، واغرقوا به المصريين الذين فتحوا لهم قلوبهم بمحبة وأبوابهم بالكرم، واسكنوا الرعاة الجياع في أرضهم الخيرة المعطاء، وقابلوا هذه المعاملة الحسنة بسلوك فريد من الحيل والدهاء والمكر والحقد والغدر. فمن جهة استغلوا ثقة المصريين وطيب قلوبهم وكرم ضيافتهم ونقاء سرائرهم وصفاء نواياهم، وائتمروا ليلة عزموا على الخروج من مصر أن "يطلب كل رجل من صاحبه، وكل إمرأة من صاحبتها أمتعة فضه وأمتعة ذهب ... ليكون حين تمضون أنكم لا تمضون فارغين" (سفر الخروج)، كما قال لهم اللههم. ومن جهة أخرى رموا أو رمى إلههم مصر بتلك الضربات الرهيبة، التي يقشعر لهولها الضمير، ويذهل لحقدها الفكر، وتشحب بجوارها أفظع قصص الرعب" (١).

ويعبر يهوه الرب عن حقده اللاهب على مصر بكلمات يصغر عما فيها من صور حاقدة شائنة ملتاثه، كل ما في الدنيا من كلمات البذاءة والتوقح والذم والتحقير. يقول اشعياء: "ها هو الرب قادم إلى مصر يركب سحابة سريعة (٢)، فترتجف أوثان مصر في حضرته، وتذوب قلوب المصريين في داخلهم. وأثير مصريين على مصريون فيتحاربون، ويقوم الواحد على أخيه، والمدينة على المدينة والمملكة على المملكة، فتذوب أرواح المصريين في داخلهم، وأبطل مشورتهم، فيسألون الأوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعرافين. وأسلط على المصريين مولى قاس، فيسود ملك عنيف عليهم. هذا ما يقوله الرب القدير. وتنضب مياه النيل، وتجف الأحواض وتيبس. تنتن القنوات، وتتناقص تفرعات النيل وتجف، ويتلف القصب والأسل. وتذبل النباتات على ضفاف نهر النيل والحقول والمزروعات كلها تجف، وكأنها لم


(١) المسيح القادم .. مسيح يهودي سفاح - جورجي كنعان - ص١٤٨
(٢) يفسر بعض المسيحيون قوله في إنذار مصر: (هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر) أن المسيح ـ الذي هو الرب ـ قد وصل إلى مصر وهو طفل يرضع على سحابة. راجع عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة ـ احمد حجازي السقا ص٢٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>