فمن ناحية، عمدت السياسة الأمريكية إلى تخويف الدول العربية التقليدية من الخطر الشيوعي الزاحف عليها من الخارج، ومن الخطر الثوري القومي الزاحف عليها من الداخل، وذلك من أجل دفع هذه الدول إلى الارتماء في الأحضان الأمريكية، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على حمايتها من هذين الخطرين. ومن الناحية الأخرى، لجأت أمريكيا إلى تبرير سياستها المنحازة لإسرائيل، بعوامل متغيرة، بعيدة كل البعد عن العامل الحقيقي ـ الثابت الديني ـ كالقول بأن سبب هذا التحيز يعود إلى ظروف الحرب الباردة، واللوبي الصهيوني، وغيرها من العوامل المتغيرة الأخرى، وكل ذلك من أجل إبقاء آمال الدول العربية معلقة بإمكانية حدوث تغيير في الموقف الأمريكي، تبعاً للتغيرات الدولية. وقد نجحت أمريكيا في تمرير سياستها تلك على الدول العربية.
فالدول التقليدية التي كانت تخشى على سلطانها من التطلعات السوفيتية، للوصول إلى المياه الدافئة، ومن التطلعات العربية القومية الرامية إلى تحقيق الوحدة العربية، لم تجد أمامها إلا الارتماء في الأحضان الأمريكية، لحمايتها من هذه التطلعات. لهذا قامت هذه الدول بتعزيز علاقاتها مع أمريكيا، على حساب موقفها المعلن من القضية الفلسطينية. وانطلاقا من موقفها الضعيف هذا، لم يكن بمقدورها تهديد المصالح النفطية الأمريكية، كرد فعل على الانحياز الأمريكي لإسرائيل (١)، وكل ما كان بوسعها عمله هو انتظار اللحظة التي سيتغير فيها الموقف الأمريكي تبعاً للتغيرات الدولية.
أما الدول العربية الثورية، التي تبنت الدور القيادي لمواجهة إسرائيل، فإنها انطلاقاً من فهمها الخاطئ لطبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، سعت إلى تعزيز علاقاتها بدول المعسكر الشرقي، أملاً في إحداث التوازن الكافي للضغط على الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل. ولكن تجارب الهزائم العربية المتكررة أمام إسرائيل من ناحية، وانخفاض التأثير السوفيتي على الساحة الدولية، من ناحية أخرى، أدى إلى انقسام هذه الدول إلى تيارين مختلفين:
(١) الولايات المتحدة والفلسطينيون بين الاستيعاب والتصفية ـ د. محمد شديد ـ ترجمة كوكب الريس ـ ص ٢٤٣: ٢٤٤.