الأول: بحث عن خلاصه الفردي، فأحدث شرخاً كبيراً في صفوف الدول العربية الثورية، وذلك عندما قام بتعزيز علاقاته مع أمريكيا، أملاً في استرجاع أراضيه المحتلة، كما فعل السادات في اتفاقيات كامب ديفيد، والذي كان يقول دائماً أن ٩٩% من أوراق اللعبة في يد أمريكيا.
أما التيار الثاني: فإنه ظل متمسكاً بموقفه الثابت تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وسعى إلى تعزيز هذا الموقف بعد زيارة السادات للقدس، من خلال مجموعة دول الصمود والتصدي، ولكن هذا التيار لم يصمد طويلاً لأسباب كثيرة، يعود بعضها إلى خلافات بين الدول المكونة لهذه المجموعة، ويعود بعضها الآخر إلى التحديات الكبيرة التي خلقتها أمريكيا وأعوانها أمام دول هذا التيار من أجل تعجيزه وإفشاله، والتي كان آخرها، حرب الخليج الثانية، التي وجهت الضربة القاضية لهذا التيار وللنظام العربي كله.
وبانهيار المعسكر الشرقي والنظام العربي بعد حرب الخليج الثانية، تحررت أمريكيا من كافة القيود التي كانت تحد من تحركها في ظل نظام القطبين، وأصبحت يدها الآن مطلقة، للتصرف كيفما تشاء تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. فالمؤتمر الدولي للسلام الذي كانت أمريكيا ترفض انعقاده في ظل نظام القطبين، خوفاً من أن يأتي مخالفاً لشروطها، سارعت إلى عقده تحت مسمى جديد، هو مؤتمر مدريد للسلام، لتفرض من خلاله على الدول العربية سلامها الأمريكي بعيداً عن أي تأثيرات خارجية من الإتحاد السوفيتي أو المجموعة الأوربية، وحتى الأمم المتحدة.
والدول العربية التي لم تستطع أمريكيا، في ظل نظام القطبين، جرها إلى مفاوضات سلام مع إسرائيل، ها هي الآن تجلس جميعها مع إسرائيل على مائدة المفاوضات المتعددة الأطراف والثنائية، ملبية لكافة الشروط والمطالب الأمريكية ـ الإسرائيلية. أما الدول العربية التي لم توافق على عملية السلام، في ظل الرعاية الأمريكية المنفردة لها، فإنها وجدت نفسها معزولة ومحاصرة، إما بقرارات مجلس الأمن الأمريكي، وبإجماع دولي، بتهمة احتضان الإرهاب الدولي وانتهاك حقوق الإنسان، وإما بحملات إعلامية عدائية، ومشاكل حدودية مفتعلة مع جيرانها، لتكون في أية لحظة ذريعة لتدخل عسكري أو حصار اقتصادي، سيباركه مجلس الأمن