للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجابت قائلة: "إننا نعتقد أن ثمرة الحصار تستحق ذلك" (١). هذا التصريح الخالي من كل بعد إنساني هو في الواقع البوصلة التي نستهدى بها في تحليلنا، ورصدنا لجوهر وخلفيات السياسة الأميركية والبريطانية تجاه العراق. ذلك أن أولبرايت وبفجاجتها المعهودة ـ لكن المفيدة لناحية عدم إخفاء الدوافع الحقيقية تحت ستار اللغة الدبلوماسية المخففةـ قد وضعت النقاط على الحروف بشكل جلي: الولايات المتحدة لا يهمها مصير مئات الآلاف من أطفال العراق الأبرياء, بل يهمها المضي بصرامة في تنفيذ سياستها الخارجية، الهادفة إلى المحافظة على مصالح أميركا في الشرق الأوسط أولاً وأخيراً، وبالأساس الحفاظ على أمن إسرائيل.

وإذا كانت العنجيهة (الأولبراتية) قد صدمت كثيرين آنذاك، إلا أنها لم تصدم (أنتوني آرنوف) محرر كتاب (العراق تحت الحصار)، الذي يموضع تلك العنجهية في إطار سياسة خارجية عامة للولايات المتحدة تنظر من خلالها نظرة عنصرية للعرب والمسلمين باستخفاف واحتقار، وبأنهم وبلدانهم وشعوبهم مجرد مصدر للنفط وللإرهاب, بما يستوجب نهب الأول ومحاربة الثاني (٢). فالمسألة هي كما يقول (ويليام بلوم): "إن زعماءنا قساة لأن من يرغبون ويستطيعون أن يكونوا قساة وعديمي الرحمة بصورة متطرفة هم وحدهم الذين يستطيعون أن يحتلوا مناصب القيادة في مؤسسة السياسة الخارجية، ربما كان ذلك منصوصاً عليه في مواصفات الوظيفة. إن الأشخاص القادرين على الإعراب عن قدر من التعاطف الإنساني والتقمص العاطفي مع الأغراب البعيدين، الذين لا حول لهم ولا قوة - ناهيك بالجنود الأمريكيين ـ لا يصلحون رؤساء للولايات المتحدة ولا نواباً للرئيس، ولا وزراء خارجية، ولا مستشارين للأمن القومي، ولا وزراء خزانة، كما أنهم لا يريدون ذلك" (٣).

لكن ماذا تريد الولايات المتحدة بالضبط من العراق بعد كل التدمير الذي لحق به، جراء القصف الجوي اليومي، والذي تم بصمت ومن دون أي ضجيج إعلامي؟.


(١) قرن أمريكي آخر ـ نيكولاس غايات ـ ترجمة رياض حسن ـ ص١٧٧ - ترجمة رياض حسن- دار الفارابي- ط١ ٢٠٠٣.
(٢) العراق تحت الحصار: الأثر المميت للعقوبات والحرب تأليف أنتوني آرنوف (محرر) ـ ص١٣ـ١٤ - خدمة كمبردج بوك ريفيو.
(٣) الدولة المارقة - دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم - ويليام بلوم - ترجمة كمال السيدـ ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>