للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الدين مظهر فطرى للمجتمع الإنساني عن طريقه يتحقق السلام والوفاق بين الأفراد والجماعات. فإذا حاد عن وظيفته الاجتماعية الطبيعية أصبح معول هدم، وأساس اضطهاد، وعامل تفرقة ومشاحنات (١).

وانطلاقاً من فهم (فولتير) السابق للدين، لم يكن مستغرباً أن يبدى إعجابه بالمذهب البروتستانتي في رسائله عن الانجليز: "فقد إثارة دهشته الحرية التي كان يعمل في ظلها الكتاب الانجليز. فقد كتب (بولينج بروك) و (بوب واديسون) و (سويفت) كل ما أرادوا في جو من الحرية التامة. هنا شعب له آراؤه الخاصة به، شعب أصلح دينه وشنق ملكه، واستورد ملكا آخر، وأنشأ مجلسا نيابيا أقوى من أي حاكم في أوروبا. ولا وجود لسجن الباستيل هنا، وهنا ثلاثون مذهباً دينياً بغير قسيس واحد. هنا أشجع المذاهب الدينية جميعاً، مذهب الأصحاب (الكويكرز)، الذين أثاروا دهشة العالم المسيحي بأخلاقهم المسيحية" (٢).

أما الفيلسوف الألماني (عمانوئيل كانط) فقد سار على نفس النهج في موقفه من الدين، وانتقد ممارسات رجال الكنيسة الكاثوليكية والكثير من طقوسها، حيث قال: "إن قيمة الكنائس والمعتقدات الدينية تكون بمقدار ما تعاون الجنس البشرى على التطور والرقي الأخلاقي، أما إذا تحول الدين إلى مجموعة من المراسيم والعقائد والطقوس الشكلية، وعلق الناس أهمية بالغة على هذه الطقوس والمراسيم وفضلوها على الناحية الأخلاقية، التي جاء بها الدين، وجعلوا المراسيم والطقوس امتحاناً تقاس به الفضيلة، فان هذا يعنى انتهاء أمر الدين وزواله. إن الكنيسة الحقيقية هي جماعة من الناس، مهما بلغ تفرقهم وانقسامهم يجمعهم ويوحدهم ولائهم لقانون أخلاقي مشترك. وقد عاش المسيح ومات لتأسيس مثل هذه الجماعة. لقد أسس المسيح الكنيسة الحقيقية للقضاء على نفاق ورياء رجال الدين ومراسيمهم، وطقوسهم الشكلية، ولكن ظهر بيننا طبقة كهنوتية من رجال الدين والقساوسة بطقوسهم ومراسيمهم التي طغت على فكرة الديانة المسيحية


(١) الاجتماع الديني (مفاهيمه النظرية وتطبيقاته العملية) الدكتور / احمد الخشاب ص
(٢) حكمة الغرب - برتراند راسل - ص٢٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>