للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصيلة النبيلة. لقد قرب المسيح ما بين ملكوت الله والأرض، ولكن أخطأنا في فهمه فاستبدلنا مملكة الله بمملكة الرهبان والقسيسين، التي نشأت بيننا" (١).

هذا هو رأي (فولتير) و (كانط) وغيرهم من مفكري عصر التنوير في فرنسا وألمانيا، والذين أصبحوا في نظر كثير من المفكرين العرب والمسلمين مثالاً يحتدي في قضايا الدين والحرية، حيث دعا هؤلاء إلى الانقضاض على الدين وتحييده من حياتنا، والاقتداء بالغرب والأخذ بالعلمانية. وليتهم فهموا مقاصد هؤلاء المفكرين جيداً ودوافعها، ولكنه التقليد غير الواعي للغرب فقط لاغير. فكما لاحظنا فإن (فولتير) يمجد الدين في شقه البروتستانتي وينقم على الدين المسيحي في شقه الكاثوليكي. فهي ليست رؤية ـ أحادية للدين ترفضه رفضاً تاماً كما يريد بعض مفكرينا ومثقفينا، بل هي دعوة إصلاحية للدين تلتقي في النهاية مع، أفكار قادة الإصلاح الديني البروتستانتي التي فصلت الدين عن الدولة، ولكن بدون إلغاء دور الدين في الحياة العامة والخاصة، بل ألغت سلطة رجال الكنيسة فقط، أو بالأحرى نزعت السلطة من يد البابا والكنيسة الكاثوليكية ومنحتها لكافة أفراد الشعب.

وهذا الدور الجديد للدين، في الدول البروتستانتية، ربما يفسر لنا كيف أن بعض الباحثين يذهبون إلى أن النظام الرأسمالي بأسره ـ والسائد في هذه الدول ـ هو وليد منظومة القيم الدينية، التي جاءت بها حركة الإصلاح الديني وبالذات القيم الكالفينة (٢)، لأن الإصلاح الذي وضعه (كالفن) طمس إصلاح (لوثر) وتفوق عليه في مكان تلاقيهما (٣). كما أن الدكتور (غيات بوفلجه) يؤكد في كتابه (بين حضارة القوة وقوة الحضارة)، أن الحضارة الغربية المعاصرة هي نتيجة لتطور المذهب البروتستانتي في أوروبا، وتطور الفلسفات المادية وازدهار التقنية الحديثة بها، إذ ربط التطور العلمي بمدى قدرة الإنسان على الطبيعة، وعلى أخيه الإنسان (٤).


(١) المصدر السابق - ص٣٥٦
(٢) تاريخ الحضارة الغربية ـ كلود دلماس ـ ترجمة توفيق وهبه ـ ص ٦٢
(٣) المصدر السابق ـ ص ٥١
(٤) بين حضارة القوة وقوة الحضارة ـ تأليف الدكتور غيات بوفلجة ـ عرض/سكينة بوشلوح

<<  <  ج: ص:  >  >>