يقول الفيلسوف الفرنسي (مونتسكيو): "إن الشعوب السعيدة، هي الشعوب التي لا تاريخ لها". وقياساً مع هذه النظرية الاجتماعية، فإن التاريخ الغني لشعوب هذه المنطقة الممتدة من أواسط آسيا حتى شواطئ الأطلسي، يعكس مدى افتقار شعوبها إلى السعادة، حيث لعب عاملان أساسيان الدور الأهم في اغناء تاريخ المنطقة. العامل الأول ديني، وهو هبوط وحي الرسالات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فيها والثاني حضاري، وهو قيام الحضارات الإنسانية الأولى فيها" (١)، حيث كان من نتيجة ذلك تحول المنطقة لمنطقة جذب للطامعين والغزاة على كافة مشاربهم وأهدافهم، وكان على المنطقة دفع ضريبة تميزها وفرادتها، حيث تعرضت المنطقة عبر تاريخها لسلسلة طويلة من الحروب. ولكن إذا نظر أي دارس للحروب المستمرة، التي تعرضت لها المنطقة، فسيلاحظ أنها جميعها فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق أهدافها، حيث تمكنت شعوب هذه المنطقة من دحر الغزاة وردهم على أعقابهم.
وفي العصر الحديث تعرضت المنطقة العربية ـ ولازالت ـ لهجمة غربية شرسة، وبأساليب متعددة، بدءً من الغزو العسكري، وحتى الغزو الاقتصادي والفكري. فبعد زوال الاستعمار الغربي عن المنطقة العربية في منتصف القرن الماضي، لجأت الدول الغربية إلى إبقاء سيطرتها وفرض نفوذها على المنطقة بأساليب أخرى، اقتصادية وثقافية وعسكرية، من خلال بعض الأحلاف أو صيغ التعاون، مستخدمه كافة أساليب الضغط والتآمر للوصول إلى أهدافها. وقد نجحت هذه المخططات في تفتيت الأمة العربية، وإفشال أية مشاريع وحدوية، أو أي تعاون مثمر بين الدول العربية، حتى وصل حال الأمة إلى ما هو عليه الآن من ضياع وتشتت وغياب الهدف، وأصبح الحكام العرب ألعوبة في يد السياسات الغربية والأمريكية، وغذوا عاجزين عن اتخاذ أي موقف لا يروق للإدارة الأمريكية، التي كشفت عن أنيابها ومخططاتها القذرة تجاه المنطقة بعد انهيار المعسكر الشرقي، حيث بدأت في توجيه دفة العداء تجاه المنطقة، وبصوره فجه لم يسبق لها مثيل، وتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء، وأخذت
(١) موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص ٣٠ - دار النفائس- ط.٢ ١٩٩٩