للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا تحول الإعلام إلى أداةٍ تابعةٍ وظيفتُها تسويقُ السياسات، التي يقررها النظام الحاكم سياسياً واقتصادياً، وأصبحت وظيفة الإعلام صناعة الموافقة مما يسمح بتنفيذ السياسات في مجتمع يتخذ الشكل الديمقراطي، حيث ترى الليبرالية الرأسمالية في فن الدعاية وسيلة شرعية لإعداد الجماهير لتقبل سياساتها" (١). "أما إذا رفض الشعب ذلك وتمرد فإن علاج ذلك سهل ويسير عند عراب غسل الدماغ (ورهوس فريدريك سكينر ١٩٠٤) ـ الأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف العديد من الكتب في علم النفس والتربية والفكر الفلسفي ـ وذلك عن طريق التحكم من الخارج في سلوكهم، أو دفعهم إلى طريق الفساد والرذيلة، هكذا في صراحة وفجور. وبدا ينعمون بالحرية، أو لنقل العبارة مقلوبة، ينعم أهل الثراء والسلطة بالحرية، إذ يخلو لهم الجو. هذه نصيحة (سكينر) وأغلى وصاياه التي أسداها إلى أهل الثراء والسلطان، وإلى جميع الحكومات التي تسعى إلى ترويض شعوبها" (٢).

وهكذا أصبح غسل الدماغ علماً وفناً معروفاً لدي كافة المؤسسات التي تسعى إلى السيطرة على العقل البشري، وتوجيهه الوجهة التي تريدها، ومنها بالطبع الحكومات ووكالات الاستخبارات بكافة أشكالها. وغسل الدماغ في أبسط صورة، يعني كل محاولة للسيطرة على العقل البشري، وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرد من ذخيرته السابقة، حيث يقوم مفهوم غسل الدماغ وإجراءاته على افتراض أساسي، مفاده أن اتجاهات الفرد ومعتقداته وقيمة هي نتاج تراكمي لعملية التعليم، يكتسبها الفرد عبر عملية التنشئة الاجتماعية. ولذلك يرى الباحثون العالمين في مجال تعديل السلوك -بشكل عام- وفي مجال غسل الدماغ بشكل خاص، أنه يمكن استخدام مبادئ التعليم وبخاصة مبادئ الاشتراط الكلاسيكي، والاشتراط الإجرائي في أية عملية تهدف إلى تغيير سلوك الأفراد على المستوى الانفعالي والمستوى المعرفي (٣). فهندسة الثقافة تعتمد على إنكار العقل والوعي، وترى أن ما نسميه عقلاً هو حاوية أفعال منعكسة، وإن بالإمكان تغيير العقل أو التلاعب به عن طريق


(١) الثقافة والإمبريالية - ادوارد سعيد ـ تعريب كمال أبو ديب ص ٣٤٣ - دار الآداب/ بيروت - ط١ ١٩٩٧
(٢) العقل الأمريكي يفكر - من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص١٥٤ - مكتبة مدبولي- ط١ ١٩٩٧
(٣) راجع كتاب "غسل الدماغ" للدكتور فخري الدباغ

<<  <  ج: ص:  >  >>