تكوين أفعال منعكسة شرطية أخرى حسب الطلب. وهذا هو المقصود بإحداث التغييرات في الظروف البيئية، تتمثل بدورها في تغييرات السلوك، وبهذا المعنى نغير الاعتقادات.
وقد عرف الفكر الإنساني عمليات التحوير الفكري وغسل الدماغ منذ أقدم العصور، إلا أن هذه المعرفة كانت معرفة مبسطة لم تصل إلى التعقيد الذي وصلت إليه الآن. فقد كان لتقدم العلوم في عصرنا الحاضر ـ وعلم النفس بالذات ـ دور كبير في تطوير التقنيات والأساليب المستخدمة في عملية غسل الدماغ، حيث ظهرت كثير من النظريات والدراسات النفسية التي ألقت ضوءاً كبيراً على خفايا النفس الإنسانية وما تتحكم بها من غرائز وميول ونزعات، مما ساعد العلماء على دراسة النفس الإنسانية، على أسس علمية مكنتهم من التوصل إلى أساليب وتقنيات قادرة على تعديل سلوك الأفراد والجماعات بدون إثارة الشخص المعني. وقد عبر بطل رواية (فالدن) للمفكر سكينر عن هذا النهج حين قال: "إننا نلتزم نظاماً للسيطرة بحيث أن المسيطر عليهم يشعرون بأنهم أحرار على الرغم من أنهم يخضعون لقانون أشد صرامة من النظم القديمة. وقد وفرت تكنولوجيا التحكم في السلوك سبل القوة والانتصار وتغيير العقول"(١).
وتتراوح أهداف غسل الدماغ بين الدعاية والترويج لسلعة أو فكرة معينة، وحتى إزالة الاتجاهات والقيم والمعتقدات. وهناك أسس تقنية عديدة يستند عليها الدعاة - لمذهب أو لفكرة أو لسلعة في تحوير الاتجاهات وغسل الدماغ أهمها:
١) تعمد الدعاية إلى خلق هدف آخر بدل الهدف الأول. فقد تعمد إلى تعويض الغرائز والحاجات غير المشبعة لدى الجماعات والأفراد. ففي أيام الحروب والضيق الاقتصادي، الذي رافق الحرب العالمية الثانية، لم تجد الحكومات الديكتاتورية إلا أن تسمح بالحرية الجنسية، أو بتناول الخمور دونما قيود، وذلك للتغطية على قمعها للحريات واستفرادها بالقرارات المصيرية، والهاء الشعب بأمور أخرى. وهكذا خلقت الحكومة النازية شعار (المتعة أثناء العمل)، وابتكرت حكومة موسوليني شعار (المتعة بعد العمل).
(١) العقل الأمريكي يفكر ـ من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص٢٣٠