للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصل التشابه بين الحملتين ذروته بمقارنه أسباب سقوط بغداد في الحملتين، حيث يرجع كبار مؤرخي ذلك العصر هزيمة الخليفة (المستعصم) أمام المغول إلى عدم الإعداد، وإلى الصراعات الطائفية المريرة بين قادة الشيعة والسنة. فيزعم بعضهم أن حاكم الموصل، والوزير العلقمي (وزير البلاط الأكبر) , وكان شيعياً، قد خانا البلاد، حرفياً، وخدعا حاكمهم لصالح المغول. ويتهم ابن الأثير الوزير بأنه أشار على الخليفة بأن يقلل من حجم الجيش بحيث لم يتبق سوى عشرة آلاف جندي للدفاع عن المدينة في مواجهة مأتي ألف من فرسان المغول. ويشير آخرون بأصابع الاتهام إلى الأكراد الذين كانوا قد دعموا حملة مغولية سابقة (١). واعتقد أنه لا حاجه بنا إلى التأكيد إلى أن نفس الخيانة والتآمر من الشيعة والأكراد, حصل خلال حملة بوش الجديدة طمعاً في تحقيق أطماع طائفية ضيقه، وليذهب بقية العراقيين إلى الجحيم.

بل إن قراءة المفردات المستعملة في خطب وتصريحات الرئيس (بوش) حول قوة أميركا العسكرية, وحول التهديدات الموجهة إلى الرئيس العراقي (صدام حسين) تشبه إلى حد بعيد المفردات التي استعملها (هولاكو) في القرن الثالث عشر الميلادي في رسالة الإنذار التي وجهها إلى الملك (قطز) ملك مصر في عهد المماليك, في تلك الرسالة, قال هولاكو: "إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، واسلموا إلينا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء وتندموا على الأخطاء، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد. فعليكم بالهرب, وعلينا بالطلب, فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق ينجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما من سيوفنا خلاص، وما من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق, وسهامنا خوارق, وسيوفنا صواعق, وقلوبنا كالجبال، وأعدادنا كالرمال، فالحصون لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع .. " (٢).


(١) بوش في بابل (إعادة استعمار العراق) - طارق على ترجمة د. فاطمة نصر ص٤٩
(٢) الدين في القرار الأمريكي ـ محمد السماك - ص٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>