للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل بادرة لمقاومة هذا الجشع والتعصب المقدس برهاناً إضافياً على صدق أسطورة أميركا، وعلى صدق الدعوى بأن الهنود متوحشون عدوانيين لا تنفع معهم إلا الإبادة، لأن التسامح مع الشرير ليس إلا تشجيعاً للشر، وليست هناك خطيئة أعظم من هذا. ومع تقدم الزمن صارت شيطانية الهندي الأحمر بديهية لا تحتاج إلى دليل مثلما إن إنكليزية الله وتفوق شعبه من البديهيات، التي لا تحتاج إلى دليل. لقد سكنت شيطانية الهنود أحلام الملائكة حتى إن (ميرسي شورت) التي زعمت أن الشيطان تلبسها وصفته على شكل هندي له أظلاف شيطانية (١).

وبالرغم من ضخامة عدد الهنود الحمر، الذين تمت إبادتهم، إلا أن أحد الباحثين يرسم صورة أكثر مأساوية فيقول: "لقد بلغ عدد الهنود الحمر في الولايات المتحدة عام ١٩٠١م حوالي ٢٦٩ ألف نسمة، بينما قدر عددهم قبل أربعة قرون من هذا التاريخ بما يتراوح بين عشرة ملايين وأثنى عشر مليون نسمة، ومن هنا يتبين لنا هول عمليات الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر بعد وصول الأوربيون إلى أمريكا. ففي المعدل فإن من بين كل عشرين شخصاً من الهنود الحمر بقى شخص واحد (٢). مفارقه عجيبة وحزينة، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، حيث إن المستوطنين المتوحشون استمروا في الاستيلاء على أراضي الهنود الحمر، الذين نفذ صبرهم فقاوموا المستوطنين، وهاجموا مستعمرة جيمس تاون. وعلى أثر ذلك وضع قادة شركة فرجينيا الإنجليزية ـ التي تشكل جيمس تاون أحد استثماراتهاـ تقريراً جاء فيه: "إن الخلاص من الهنود الحمر أرخص بكثير من أية محاولة لتمدينهم، فهم همج برابرة عراة متفرقون، جماعات في مواطن مختلفة، وهذا يجعل تمدينهم صعباً، لكن النصر عليهم سهل، وإذا كانت محاولة تمدينهم سوف تأخذ وقتاً طويلاً فإن إبادتهم تختصره، ووسائلنا إلى النصر عليهم كثيرة، بالقوة بالمفاجأة بالتجويع، بحرق المحاصيل، بتدمير القوارب والبيوت، بتمزيق شباك الصيد، وفي المرحلة الأخيرة المطاردة بالجياد السريعة، والكلاب المدربة، التي تخيفهم لأنها تنهش جسدهم العاري" (٣).


(١) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص٦١
(٢) أمريكا و أزمة ضمير - محمد جلال عناية ـ ص٢١
(٣) من نيويورك إلى كابول ـ محمد حسنين هيكل ص٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>