للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مختلفة منها الحروب الشاملة والمناوشات المحدودة والقتل الفردي، حتى أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كانت سياسة رسمية عبر تقديم بطانيات ملوثة بالجراثيم لهم (١). كما كانت الحكومة البريطانية في عصر الملك (جورج الثالث) تعطى مكافأة مالية لكل من يحضر فروة رأس هندي من الهنود الحمر، قرينة تدل على أنه قتله. وبعد استقلال الولايات المتحدة بعد ذلك بنحو خمسين عاماً، أي منذ ١٨٣٠م استمر هذا التقليد، بل تصاعد حين اصدر (جاكسون) قانون ترحيل الهنود الذي تم بمقتضاه تجميع خمسين ألفاً من هنود (الشيروكى) من جورجيا، وترحيلهم سيراً على الأقدام في برد الشتاء القارس إلى معسكر خصص لهم في اوكلاهوما، فمات أكثرهم قبل أن يصلوا، وسمى الطريق الذي مشوا فيه: ممر الدموع!! كان ذلك عام ١٨٣٥م، واستمرت حرب الإبادة ضد الهنود الحمر حتى تقلص عددهم من ٦.٥ مليون عام ١٥٠٠م إلى نصف مليون عام ١٨٩٠م!! (٢).

لقد كان المهاجرين الأوربيون من أفظع أنواع المجرمين، وأشدهم قسوة وإجراماً وميلاً إلى سفك الدماء، وفي سبيل المغامرة وجمع الذهب أو التنقيب عنه كانوا لا يبالون بشيء، وأصبح قتل الهنود الحمر وتعذيبهم من أعمالهم الروتينية، بل أن العصابات الأوروبية كثيرا ما كانت تهاجم بعضها بعضاً للسلب والنهب، ولا يتورعون في سبيل الحصول على الذهب أو الماشية من فعل أي شيء (٣). وكان (اوليفر هولمز) وهو من اشهر أطباء عصره، "قد لاحظ في عام ١٨٥٥م إن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وان اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقيه لازمه لكي يبقى الإنسان فعلاً على صورة الله". وهكذا بدأت دعوات الإبادة الشاملة تعلو عندما لم يكن في كل الشمال الأميركي سوى ألفى إنكليزي، ثم ازدادت هذه الدعوة حدة وجنوناً حين تأكد الإنكليز أن الهنود قد يرحبون بهم ضيوفاً، ويكرمونهم بما يكفيهم من الأرض والرزق، ويعيشون معهم بسلام، لكنهم لن يتنازلوا طوعاً عن أراضيهم، ولن يتقبلوا فكرة السخرة والاستعباد، وكانت


(١) أمريكا و أزمة ضمير - محمد جلال عناية - ص٢٥
(٢) الإخطبوط الصهيوني وخيوط المؤامرة لابتلاع فلسطين - تأليف سيناتور جاك تنى - تعليق وترجمة هشام عوض- - دار الفضيلة للنشر والتوزيع
(٣) الانحياز الأمريكي لإسرائيل - دوافعه التاريخية والاجتماعية والسياسية ص ٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>