للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة الأميركية، لذلك تركوا على هامش الحياة وتم التعامل معهم كأدوات خادمه للآلة الاقتصادية الأميركية. ولقد استند التطهيريون الإنكليز لتبرير مطاردتهم للهنود وسرقة أراضيهم إلى سفر (يشوع) ومنطق الإبادة المقدسة في العهد القديم، وكتب أحدهم يقول: "بديهي أن الرب يدعو المستوطنين إلى الحرب، فالهنود اعتمدوا على عددهم وأسلحتهم كما فعلت قبائل النقب القديمة: العمالقة والفلسطينيون متحالفين مع غيرهم ضد شعب إسرائيل". هكذا وفي ظل هذه الذهنية مورست الإبادة الجماعية ضد الهنود، وكأن هؤلاء الهنود هم الذين غزوا أراضى المستوطنين، فيما كان المهاجرون ينهبون أراضيهم ويدمرون حياتهم (١).

يقول (ميشال بوغنون) في كتابه (أميركا التوتاليتارية): "إن استيطان أميركا كان يجري في الأصل في سياق أيديولوجي ثنائي القطب، أولاً: الاغتناء المادي، وثانياً: تمجيد الإنجاز الإلهي. فالأمة الأميركية ورجال الكنيسة والمثقفون الأوائل هم شعب الله المميز، الذي جاء على قدر، فـ (وليام مستوغتون) (١٦٣١ـ١٧٠١م) "يرى أن الله اختار مواطني أميركا بعناية، فغربلهم كما تغربل الحبوب لفصل البذرة الصالحة عن غيرها". و (جون وينثروب) حاكم مستوطنة ماساشوستس عام ١٦٢٩ م حتى وفاته في العام نفسه، "ذهب إلى وصف نفسه وأصحابه بأنهم في خدمة المسيح وأنهم يرتبطون معه بميثاق، وأنهم أعضاء جسم فريد موحد، وهم شعب الله المختار وإله إسرائيل بينهم" (٢).

وكان هؤلاء الغزاة الأوائل يسمون بالحجاج أو القديسين، وكانوا يعتبرون هذا العالم الجديد بديلاً عن (أورشليم)، والأراضي المقدسة، ولهذا فقد سموه بكل الأسماء التي أطلقها العبرانيون على بلاد كنعان، وما يزال التاريخ الأميركي إلى الآن يضفي على هؤلاء الحجاج قداسة طوباوية، ويعتبرهم أول نموذج للاستثناء الأميركي الذي فضله الله على العالمين، وأورثه ما أورث بني إسرائيل من قبل، وجعل العهد الذي عقدوه مع الله على متن سفينتهم الأسطورية Mayflower من اللحظات النادرة الخالدة في التاريخ الإنساني، كما يقول الرئيس الأميركي (جون


(١) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص٧٤ـ٧٥
(٢) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل

<<  <  ج: ص:  >  >>