للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدامس). فعهدهم مع الله جب عهد الإسرائيليين القدامى، وتأسيس مستعمرتهم على صخرة (بليموث) ضاهي تأسيس الكنيسة على صخرة بطرس. قضية هؤلاء (الحجاج) هي الأصل الأسطوري، لكل التاريخ الأميركي ومركزيته العنصرية وما يزال كل بيت أميركي يحتفل سنوياً في (عيد الشكر) بتلك النهاية السعيدة، التي ختمت قصة نجاتهم من ظلم فرعون البريطاني و (خروجهم) من أرضه و (تيههم) في البحر و (عهدهم) الذي أبرموه على ظهر سفينتهم مع يهوه ووصولهم في النهاية إلى (ارض الميعاد) " (١).

ويعتبر هذا العيد الطقسي (عيد الشكر، الذي يبجله الأميركيون، وطنياً ودينياً أكثر من أي عيد آخرب ما في ذلك عيد الاستقلال)، من أكثر أعياد أميركا قدسية. ففي هذا العشاء الطقسي الذي يذبحون فيه سنوياً بين عشرين وثلاثين مليون (ذبيحة) قرباناً لله الذي وقف منذ اللحظات الأولى لاستعمار أميركا إلى جانب شعبه الإنكليزي المختار، يستعيد الأميركيون أسطورة تاريخهم بكل ما يعنيه طقسية الاحتفال بالاسطوره. فهو طقس يتضمن تقديس فتح الاستعمار الاستيطاني، والتأكيد على التفوق الطبيعي والأخلاقي للمستعمرين، وهو تأكيد على صدق الأسطورة وحياتها المتجددة، وهو احتفال برعاية الله لكل عناصر أسطورة الولادة المقدسة للتاريخ الأميركي، وهو من خلال هذا الطقس الاحتفالي ـ يؤكد على التسامي بالأسطورة ومعايشتها كدين (٢).

فأمريكا تعزو بشكل جزئي هويتها الوطنية إلى انتشار مثل هذه الأساطير القوية التي انبثقت في أوائل تاريخها، حيث يرتبط كثير من هذه الأساطير (بالآباء المؤسسين)، الذين أسسوا هذه البلاد، بينما يرتبط بعضها الآخر بخبرات بناء الأمة. وقد تكون أقوى هذه الأساطير، تلك التي تطورت من جراء خبرة الرياديين وانبثاق الأمة وأن بيان المصير ـ كما يسميه علماء التاريخ ـ هو الاعتقاد بأن الاستيطان في تلك الأراضي الشاسعة غير المسكونة وترويضها من قبل المستوطنين الأوروبيين، كان حدثاً تم بموجب مقاصد إلهيه. فالله اصطفى الأمة الأمريكية من بين الأمم


(١) الامبراطورية الأمريكية البداية .. والنهاية - منصور عبد الحكيم - ص ٣٧ - دار الكتاب العربي - ط١ ٢٠٠٥
(٢) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>