للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشعوب وفضلها عليهم، وجعلها شعبه المختار وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من الشرور (١). وقصة هذا الاصطفاء يمكن روايتها كالآتي: "هرب أناس رياديون شجعان من الاضطهاد الديني والسياسي في أوروبا، وواجهوا عقبات كبيرة في تحقيق أحلامهم بوجود سكان أصليين (متوحشين) استخدموا وسائل إرهابيه لإحباط مقاصد الرياديين، ولكن بمعونة الله استطاع هؤلاء المستوطنين الشجعان أن يهزموا (المتوحشين)، ويطردوهم خارج تلك الأراضي، على الأقل تلك الأراضي الجيدة، هكذا مهدوا الطريق لهؤلاء الذين كانوا قادرين على استغلال المصادر، التي أعطاهم إياها الله في تلك الأراضي بشكل أفضل.

ولكن هذه القصة غير المحبوكة فضحتها العلوم والمعارف الحديثة، عندما ركزت على وحشية هذا التطهير العرقي القديم وعواقبه السلبية. غير أن بعض العناصر الأساسية في هذه القصة والمتعلقة بالأسطورة ـ أي الرياديين الشجعان الذين هربوا من الاضطهاد وعملوا على إنشاء دولة حره ـ لا تزال تشكل الهوية الذاتية الأمريكية، ويبدو هذا واضحاً في الطريقة السهلة التي يستطيع بها السياسيون ومن بينهم الرئيس (جورج بوش) في هذه الأيام أن يبحثوا عن الدعم لمغامرات سياساتهم الخارجية باقتباسهم عناصر رئيسة من هذه الأسطورة (أن أي هجوم على أمريكا هو هجوم على الحرية) (٢).

ففي التعابير التي كانت تدور على السنة سكان المراحل الأولى من تاريخ فيرجينيا على سبيل المثال، أعلن أوائل المستوطنين عن أنفسهم بجرأة أنهم على حد قول (جون رولف) بأنهم "شعب له خصوصيته، أشار إليه واختاره إصبع الله لامتلاك تلك الأرض لأنه معنا دون شك". والواقع أن مستعمرة فرجينيا في أقدم سنواتها كانت أشبه شيء بمدينة أسستها شركة، وتشبه قاعدة أمامية أو مركزاً متقدماً في أقاصي حدود الاسكا. وقد حافظ المؤسسون بدقة على الشكليات الدينية المعروفة آنذاك بما فيها القوانين التي تتطلب التردد على الكنيسة (٣).


(١) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص١٤٩
(٢) عندما تختلط الأساطير بالنبوءات ـ جون هيوبرزـ منسق الإرساليات للشرق الأوسط وجنوب آسيا في الكنيسة المصلحة - جريدة الخليج ١٥/ ٢/٢ .. ٣ م
(٣) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ص٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>