للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذا الورع الزائد للمؤسسين الأوائل، باعتبارهم شعب له خصوصية، كان يعكس عنصرية بشعة، ونظره دونية للآخرين باعتبارهم أقل درجه منهم، حتى لا يجوز هدايتهم. وهنا يقول القس (كوتون ماذر) (١٦٦٣ـ١٧٢٨م) وهو أحد أهم الآباء المؤسسين لأمريكا: "من الكفر بالله والمسيح أن يحاول أحد هداية أهل البلاد الأصليين، الهنود الحمر، لأنه وجدهم مخلوقات بشعة لا يجوز أن تدخل في ديانته المقدسة" (١). وقال كوتون ماذر أيضاً: "إن أميركا كانت قبل مجيء الحجاج الأوائل أرض الشيطان، وإنه ـ أي الشيطان ـ سيستعمل كل حيله للحول دون استيطان المستوطنين". وبهذا تكونت صورة الهندي الشرير والبربري المسكون بالشيطان، في مقابل الرجل الأبيض المختار المسكون بالخير المتصف بالتحضر. وأيضا في مقابل الأسود الجاهل الذي لا يجيد التمتع بالحرية كما هي في الولايات المتحدة" (٢).

فهؤلاء المهاجرون المتدينون الهاربون من النظام الطبقي البغيض، ومن كل سلطة دنيوية أو دينيه بحثاً عن حياة جديدة اغفلوا ضمائرهم، أو استطاعوا أن يوفقوا بين معتقداتهم وبين إبادة الهنود الحمر مسترشدين في ذلك ببعض الأساطير التوراتية، التي أباحت لغزاة فلسطين الأول من اليهود إبادة سكان أرض الميعاد ليحلوا محلهم (٣). فقد كانت قصص اجتياح كنعان في العهد القديم تمدهم بالأسس الأخلاقية اللازمة لتماسك هذه السيكولوجية الاستعلائية، ولتبرير عنصريتها وعنفها المميت، ولم يكونوا واثقين إلا من شيء واحد: إن الله فضلهم واصطفاهم على العالمين، وأعطاهم الأرض وحق تقرير الحياة والموت والرزق لكل من يعيش فوق هذه الأرض، هكذا حمل شعب الله سيف (الجلاد المقدس)، ولم يساوره الشك في إن الإبادات لم تكن إلا تدبيراً إلهياً مباركاً ورسالة في المجاهل عهدها الله إليهم (٤).


(١) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص٣١٤
(٢) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون، ترجمة: خليل أحمد خليل ـ المصدر الجزيرة نت
(٣) الانحياز الأمريكي لإسرائيل - دوافعه التاريخية والاجتماعية والسياسية ص ٥٢
(٤) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكشص٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>