للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا يلاحظ الدكتور (عبد الوهاب المسيري) أن ثمة عناصر تسم التشكيل الحضاري الغربي الحديث جعلت الإبادة كامنا فيه وليست مسألة عرضية، وقد قام الإنسان الغربي بكثير من عمليات الإبادة لا على الرغم من حضارته الغربية وإنما بسببها!!. فقد طورت الرؤية الغربية الحديثة للكون رؤية للبشر بحسبانهم مادة بشرية يمكن توظيفها، أما من لا يمكن توظيفه فكان يشار إليه بحسبانه مادة بشرية فائضة وأحيانا غير نافعة، ولا بد من معالجتها, فهي إما تصدر وإما أن تعاد صياغتها وإما أن تباد إن فشلت معها كل الحلول السابقة (١).

وهكذا فإن أي قراءة في العقل الأميركي ورؤيته المتعالية للأمة الأميركية، تبين بوضوح من خلال استعادة آراء منظري الكيان الأميركي، الذين يرون أن أحداث التاريخ وإنشاء الولايات المتحدة أمر صادر عن إرادة قوة، وعن قناعة بأن القدرة الربانية كلفت هذا الكيان الوليد والجديد برسالة تسيير شؤون العالم وإدارته، وان عليهم أداء هذه الرسالة والقيام بواجباتها. إنه إذاً عقل مسكون بيقين تجسيده لأمر الهي، إنها صورة يؤكدها العشرات من المفكرين والمؤرخين الأميركيين، ويرون من خلالها أنهم ملزمون في التبشير بها بل أن مؤرخاً أميركيا مثل (دانيال مورستين) وصل في مغالاته إلى القول: ًأن شعبا في العالم لم يكن أكثر يقيناً في سيره على الصراط المستقيم كالشعب الأمريكي". هذه الرؤية وهذا اليقين والوهم بأداء (رسالة ربانية) هما محرك السياسة الأميركية باتجاه فرض سيطرتها على العالم (٢).

وبناء على هذا الموقف العنصري المتعالي، المغلف بالمعاني الدينية المستمدة من التوراة اليهودية، لم يجد المؤسسون الأوائل لأمريكا أية حرج، في إبادة الهنود الحمر واستعباد الزنوج ماداموا أجناس اقل مرتبه ومتوحشون، وهو نفس الموقف الذي لجأ لاستخدامه اليهود قديماً وحديثاً مع الفلسطينيين والشعوب المجاورة. وقد صارت هذه الأخلاق الإبادية بنفاقها وبسماتها الانكليزية المسمومة عقيدة وأيديولوجيا، بل صارت النواة الصلبة للقومية الأميركية التي ما تزال تخصب الأدب والفن والسينما وصناعة الجريمة والموت وتعطي أوضح صوره لمفهوم الأميركي عن


(١) دفاع عن الإنسان (دراسة نظرية و تطبيقية في النماذج المركبة) ـ د. عبد الوهاب المسيري - دار الشروق، القاهرة ٢٠٠٣ ـ عرض/ نشوة نشأت - الجزيرة نت
(٢) صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص٧٢ـ٧٣

<<  <  ج: ص:  >  >>