للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لديهم ثقافة جديدة سماها بعضهم بثقافة أهل الحدود، والتي لا تضع حداً لأطماع الأمريكيين في أراضى الغير. ويصف هذه الحالة (جارودى) بقوله: "فبالنسبة للعلاقة مع الطبيعة لم تكن لـ (الحدود) طوال أكثر من قرن نفس المعنى، الذي كانت تعنيه في أوروبا. كانت الحدود الأمريكية دائماً مساحة مفتوحة حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ولم تغلق تلك الحدود رسمياً إلا بالوصول إلى المحيط الهادي" (١). "فقدر أميركا الأبدي هو الغزو والتوسع، إنها مثل عصا هارون (موسى)، التي صارت أفعى وابتلعت كل الحبال، هكذا ستغزو أميركا الأراضي وتضمها إليها أرضاً بعد ـ أرض، ذلك هو قدرها المتجلي، أعطها الوقت، وستجدها تبتلع في كل بضع سنوات مفازات بوسع معظم ممالك أوروبا، ذلك هو معدل توسعها" (٢).

فمنذ العهد الاستعماري، تعود الأمريكيون على الاستيطان واستمرارية الزحف من الساحل الشرقي إلى الغربي في اتجاه الأرض البكر ـ غير المستغلة ـ ممارسين التجارة والزراعة. وباستمرار هذه الظاهرة أصبحوا يفكرون بأن ضم أراض جديدة إنما هو عمل طبيعي عودتهم الأحداث عليه (٣). يقول (اى. ا. بيلينكتون) أستاذ التاريخ في جامعة نورث ويسترن ومؤلف (تاريخ الحدود الأمريكية) و (الحدود الغربية القصوى): "إن الأساس الذي قامت عليه حياة أهل الحدود هو الذي يميز، حتى يومنا هذا، اتجاهاتنا وميولنا نحو المجتمع والعالم الذي يحيط بنا. نحن شعب متنقل، نسير إلى الأمام قدماً، ولا تربطنا بالموطن والمجتمع إلا رابطة هينة. وهذا عكس ما هو عليه الإنجليز أو الفرنسيون أو الإيطاليون. إن أسلافنا من أهل الحدود كانوا متنقلين، وأننا دوماً على استعداد للتبدل والتغيير بنحو ما هو أحسن وأفضل لحياتنا" (٤).

والاستعداد للسير إلى الأمام والتبدل نحو الأفضل، لا يعنى للأمريكان سوى أن تظل تلك المساحة الشاسعة داخل أمريكا ـ وبعد ذلك في العالم ـ مسرحاً للنهب والسلب وتدمير الغابات الكثيفة بحثاً عن مناجم الذهب والفضة، وكانت العلاقة مع


(١) أمريكا طليعة الانحطاط ـ جارودى ـ ص٤٩
(٢) حق التضحية بالآخرـ تأليف منير العكش ـ ص١٠٥
(٣) المدخل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية - ج١ـ د. محمد النيرب - ص١٩٠
(٤) حضارة العالم الجديد من عصر الاستكشاف إلى عصر الذرة- ارل شينك ـ ترجمة فؤاد جميل- ص٢٩٠ - مطبعة شفيق / بغذاد - ط١ ١٩٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>