للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرين ـ أيضا ـ ذات طبيعة خاصة بدأت أولاً بطرد الهنود للاستيلاء على أراضيهم ووضعهم بين خيارين: أما الإبادة، وإما النفي والانسحاب إلى المعزل، وبعد ذلك كانت العلاقة بين البيض أنفسهم خاضعة لأحكام قانون الغاب، لنهب الثروات المسروقة من الهنود أرضاً كانت أم ذهباً. فقد كان النيوانجلانديون ميالين لاعتبار كل ما هو محيط بهم على أنه برية تنتظر حضارة منظمة تستنقذها (١). وبالطبع فإن تلك الحضارة، هي الحضارة الأمريكية صاحبة الرسالة الخالدة، التي بشر بها قادة الفكر الأمريكي، وأكدوا بأن أمتهم قادرة بإمكانياتها أن تحقق رسالتها الخالدة وحلمها الأعظم، الذي تعبر عنه أسطورة حكاها (جون فايسك) فيلسوف التاريخ، عضو النادي الميتافيزيقي مهد البراجماتية، إذ رسم (فايسك)، أو رسمت الأسطورة على لسانه، حدود الولايات المتحدة الأمريكية.

تروى الأسطورة، التي استهل بها (فايسك) إحدى محاضراته، قصة حفل غذاء في باريس ضم أربعة من المغتربين الأمريكيين. تحدث كل منهم عن مستقبل الولايات المتحدة وحدودها وأمجادها. إلى أن جاء دور المتحدث الرابع الذي لم يقنع بما رسمه سابقوه من حدود تسع الكرة الأرضية وشعوبها وبلدانها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وانبرى وقال: "لماذا نترك أنفسنا أسرى هذه الحدود الضيقة. أن الولايات المتحدة هي تلك التي يحدها الشفق القطبي شمالاً، والاعتدالين جنوباً، والعماء البدائي شرقاً، ويوم القيامة غرباً" (٢).

ومن الجدير بالذكر أن (جون فسك) كان من فلاسفة الدارونية، الذين استعملوها لتبرير الاستعمار حيث كتب يقول: "إن العنصر الانجلوـ سكسوني هو أصلح الأجناس البشرية، وانه في المستقبل سوف ينتشر هو ولغته وثقافته في أربعة أخماس الكرة الأرضية، وسوف يحيل إفريقيا إلى بلد متقدم ملئ بالمدن والمزارع ومظاهر التكنولوجيا". وقد كرر هذه الآراء في عدد من المؤلفات، حيث كانت الآراء المقابلة في القارة الأوروبية في أمثال: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، تسير


(١) تاريخ الحياة الثقافية في أميركا يرويه لويس بيري ـ ترجمة أحمد العنانيـ ص ٥٨
(٢) العقل الأمريكي يفكر - من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات - شوقي جلال ص٢٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>