للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينية من التوراة أو الإنجيل. ومن ثم وصف الرئيس الأمريكي للحرب علي أفغانستان بأنها حرب صليبية لم تكن زلة لسان، وإنما هي تعبير عن الثقافة الأمريكية في الموقف من الحرب، كما أن ما يسمى بالحرب العادلة، هي أيضاً تستند إلي مبررات أخلاقية ذات جذور دينية. ولذا فكلمات الشر والخير التي نسمعها من الرئيس الأمريكي وصناع القرار لتبرير الحرب الراهنة ضد العالم الإسلامي وبعض دول العالم هي جزء من الثقافة الدينية الأمريكية حيث الخير هو الحق المسيحي، والشر هو الباطل الذي تحاربه أمريكا، وهو هنا الإسلام (١). "فإذا كانت إرادة الرب الأعظم، انه بالحرب ينزاح الأثر الأخير لوحشية الرجل تجاه الرجل في نصف الكرة الغربي، فلندعها تأتى". و"إذا توجب علينا أن نذهب إلى الحرب، فان دافعنا سيكون صائباً. كل واعظ ميتودى سيكون داعياً للتجنيد" (٢).

هكذا تستمر أمريكا في محاولة فرض آراءها بالقوة والسلاح عبر العالم بأسره مستخدمة كافة الأساليب. والمدهش في هذا الأمر لا يتمثل في محاولة تحقيقه، بل في أنها تتم بهذه الدرجة العالية من الإقرار وبإجماع شبه تام، حيث تؤدى أجهزة الإعلام دوراً خارقاً في (صناعة الموافقة والتسليم)، كما اسماها (تشومسكى)، وفي جعل الأمريكي العادي يشعر بأنه يقع على عاتقنا نحن (الأمريكيين) أن نصحح ما يقترفه العالم من أخطاء وآثام، وإلى الجحيم بكل ما ينشأ من تناقضات وعدم اتساق واطراد. لقد سبقت التدخل في حرب الخليج سلسلة من التدخلات (بنما، غرينادا، ليبيا) تمت مناقشتها كلها، وإقرار معظمها، أو على الأقل عدم ردعها، بوصفها من اختصاصنا (نحن) بحكم الحق، وبعبارة (كينان): "لقد أولعت أمريكا بالاعتقاد بأن كل ما ترومه، هو بالضبط يرومه الجنس البشرى برمته" (٣).

فإذا لم تكن المنظمة الدولية تعمل على خدمة مصالح الولايات المتحدة فلا مبرر لاستمرارها، لان الرئيس بوش وبطانته من المحافظين يؤمنون بأن ما يصلح لأميركا يجب أن يصلح للعالم أجمع، بغض النظر عن كل الكلام عن (الحريات) الذي


(١) الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية ـ تأليف مايكل كوربت وجوليا كوربت، ـ ترجمته د. عصام فايز، ود. ناهد وصفي ص١٢١
(٢) أرض الميعاد والدولة الصليبيةـ والتر ا. مكدوجال - ترجمة: رضا هلال - ص ١٦٥
(٣) الثقافة والامبريالية - ادوارد سعيد - تعريب كمال أبو ديب ص ٣٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>