للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغلفون به هذه القناعة. وهنا يتعرى مأزق الليبرالية العالمية الممزقة بين الدعوة العالمية لنشر الحريات والديمقراطية, والحيرة إزاء الاختطاف الراهن للشعار الليبرالي من قبل المحافظين الجدد، الذين يزعمون أنهم يريدون نشر الليبرالية بالقوة العسكرية والإمبريالية إن لزم الأمر (١). وقد سبق أن فندت إدارة الرئيس (ريجان) أسباب إقصاء المعايير الدولية عندما كانت محكمة العدل الدولية تنظر بالتهم التي وجهتها نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة، وسخر وزير الخارجية الأمريكي (جورج شولتز) من أولئك الذين يؤيدون الوسائل اليوتيبية، مثل تسوية الخلافات من قبل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، بينما يتجاهلون عنصر القوة الفاعلة في المعادلة. كما ابلغ الرئيس (كلينتون) الأمم المتحدة في عام ١٩٩٣م بان الولايات المتحدة ستتصرف (جماعياً عندما يكون ذلك ممكناً) وستتصرف (أحادياً عندما يكون ذلك ضرورياً) (٢).

وبالرغم من المعارضة العالمية لهذه العربدة الأمريكية، حتى من حلفائها الأوربيين، الذين يحاولون حل المشاكل الدولية سياسياً، إلا أن أمريكيا تصر على تنفيذ ما تريد، تحت شعار (إما معنا أو ضدنا)، معتبرة أن السعي الأوروبي لحل المشاكل سياسياً ناجم عن ضعفهم عسكرياً، وأن استخدام أميركا القوة يعكس قوتها. وهنا تتساءل (صوفي جندرو) في كتابها (المجتمع الأميركي بعد ١١ سبتمبر) فتقول: "هل القوة وحدها هي الحل؟ ألا يتعين تسوية المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية كأولوية؟ أليست أميركا مقيدة من الداخل من قبل اللوبيات القوية؟ ". وتضيف موضحة جذور هذه العربدة الأمريكية فتقول: "أن ما يقوله اليوم الأميركيون عن قوة الولايات المتحدة وضرورة الحفاظ على الهيمنة الأميركية ليس بجديد، فالمسألة تعود إلى مبدأ (مونرو) عام ١٨٢٣م ثم سياسة (العصا الغليظة) التي تبناها (ثيودور روزفلت) عام ١٩٠١م، الذي كان يقول: "في هذا العالم، أن الأمة التي تدرب نفسها على حياة لا تتسم بالطابع الحربي هي أمة محكوم عليها بالزوال، قبل


(١) الإرهاب والليبراليةـ بول بيرمان ـ عرض/ كامبردج بوك ريفيوزـ الطبعة: الأولى ٢٠٠٣ ـ الناشر: نورتون، نيويورك ولندن
(٢) الدولة المارقة - حكم القوة في الشؤون الدولية ـ نعوم تشومسكي - ترجمة محمود على عيسى ص٩ - دار الكتاب العربي - نينوى للدراسات والنشر - ط١ ٢٠٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>