القوى الأساسية التي ستتقاسم مع أميركا التحكم في العالم: أوروبا، اليابان وروسيا على المدى القصير، والصين على المدى البعيد" (١).
فأميركا لم تعد الأمة الكبرى كما كانت في السابق، لان نظامها الديمقراطي في أزمة، ولذا فهي تحاول أن تحافظ وتبرر هيمنتها وشرعيتها باستهدافها بلداناً قليلة الأهمية اقتصادياً وعسكرياً. ولهذا فقد مارست الولايات المتحدة إرهابها على منطقة البلقان وتحديداً (يوغوسلافيا سابقاً)، وفي السودان وليبيا، ومارست ضغوطاً شديدة على العرب في حربهم وانتفاضتهم ضد الاحتلال الصهيوني، سواء في الجنوب اللبناني أو في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (٨٧ ـ٩٣م) أو الثانية.
أما الحرب على أفغانستان والعراق فحدث ولا حرج .... فالملاحظ أن الإمبريالية الأمريكية الأصولية بلغت، في إعادة تنظيم الشرق المتوسطي، مستوى جديداً من العدوانية لم تبلغه من قبل، تمثل في السياسة الجديدة التي تعود بالعالم إلى أساليب الاستعمار الكولونى القديم، والاحتلال الفج الصريح، والتهديد بالمدافع والأساطيل الحربية، التي كشفت عن تفاقم سياسات العنف والعدوان، مقنعاً أو صريحاً، من جانب الامبريالية، وخاصة الامبريالية الأمريكية في السنوات الأخيرة. والواقع أن حرباً لم تكشف من قبل، بهذا الوضوح والعراء، حقيقة التناقضات والصراعات التي تهز عالم اليوم من الأعماق، كما كشفتها حرب الخليج بخاصة. فقد فضحت محاولات الإمبريالية، وفي مقدمتها الأمريكية، استغلال الظروف الجديدة، لمزيد من النهب للعالم الثالث الغنى بثرواته، والمنهوب سلفاً حتى القاع.
فلم يكن تحرير الكويت سوى ذريعة، لم تكن تستدعى كل هذا الحشد الهائل من القوة العسكرية التي لم يسبق لها مثيل. كما لم تكن لتبرر التدمير الشامل للعراق، شعباً وبنية أساسية وصناعية، فضلاً عن كافة المرافق الحيوية والحياتية. لقد كان الهدف الأمريكي الصهيوني المدبر، بعيداً عن تحرير الكويت، انتهاز الفرصة المواتية لتدمير العراق نفسه، كقوة عربية اقتصادية وعسكرية نامية، من بلدان العالم الثالث المتخلف، التي تتطلع إلى الخروج من طوق التخلف، والى امتلاك أسباب
(١) بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأمريكي ـ المؤلف: إمانيول طود - ط١ ٢٠٠٢ - الناشر: غاليمار - باريسـ كامبردج بوك ريفيوز