الميليشيات، فإن ٢١% وصفها بأنها وطنية تماماً، و٣٠% بأنها حسنة النية، ودافع ٢٧% عن حق الميليشيات في اقتناء السلاح وتخزينه. وقد تكتمل الصورة إذا علمنا أن كلينتون في حديث له مع التليفزيون الأمريكي في خضم الغضب، الذي ساد الشارع الأمريكي عقيب تفجيرات أوكلاهوما لم يجرؤ على إدانة هذه الميليشيات، وإنما أثبت حقهم في ارتداء أزياء عسكرية وتكوين ميليشيات وحمل السلاح، لكنه فقط طالب باستعطاف هذه الميليشيات ألا تتصدى للسلطات حين تطبق القانون!!. ورغم أن كلينتون نفسه كان قد أحس خطر هذه الأفكار حين كان حاكماً لولاية (أركنسو)، وحاول حظر تكوينها، إلا أنه وُوجه بمقاومة شديدة من المجلس التشريعي للولاية والأهالي فأعلن تراجعه.
إذن الأمر ليس ميليشيات بعينها ولا فئات أو شراذم، لكنه يقترب من أن يكون تياراً أصيلاً داخل المجتمع الأمريكي يستشعر خطراً غامضاً، ويبحث عن عدو، ويحاول أن ينطح الصخور، فيُدمي قرنه الوعل!. وقد عرض (روجيه جارودى) في كتابه (أمريكيا طليعة الانحطاط) لموعظة ساخرة اقترحها كتاب (مليفان) حول (تكلفة التنمية) سماها (موعظة طاحونة الشيطان) حاول خلالها توضيح العلاقة بين تطور الاقتصاد، وتطور الإنسان في ظل النظام الأمريكي، والذي افرز ما يمكن أن نسميه ثقافة العنف. فالعنف في المجتمع الأمريكي يفوق مثيله في المجتمعات الأخرى, فوفقا للإحصائيات الأخيرة فقد كان هناك أكثر من مئتي مليون قطعة سلاح موزعة بين أيدي المدنيين في الولايات المتحدة أي ما يوازي قطعة سلاح لكل مواطن أمريكي وقد فاق عدد متاجر بيع الأسلحة المئة ألف, كل هذا وغيره من الأدلة التي ساقها الكاتب تدل من وجهة نظره على مدى النزعة العنفية لدى الأميركيين (١).
وفي سياق تناوله بدأ الكاتب استعراض الموضوع منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية وأول أبناء العم سام "كريستوفر كولومبس" والذي بمجرد أن وطأت قدماه أرض الهنود الحمر - والتي عرفت بأمريكا فيما بعد - أخذ يكتب في مذكراته عن مدى تخلف هؤلاء القوم وعدم معرفتهم بأي نوع للأسلحة سوى العصي والحراب, ثم
(١) حضارة الدم وحصادها .. فصول من تاريخ الإرهاب الأمريكي- د. نزار بشير - الزهراء للإعلام العربي - القاهرة - طبعة أولى - ٢٠٠٣ - العرب اليوم ٢٠٠٥ - ١١ - ١٩