ولسنا هنا في مجال تقييم اتفاقيات السلام لان ذلك لا يدخل ضمن أهداف هذا الكتاب، ولكن الذي نريد توضيحه والتركيز عليه هو تحديد ماهية الصراع الدائر في منطقتنا منذ قرن من الزمن، وتحديد أبعاده والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر فيه، ودوافع الدول التي تدعمه وتقف وراءه وتعمل كل ما بوسعها من اجل استمراره وترسيخ وجود الظاهرة الإسرائيلية في المنطقة، وذلك بعيداً عن كل ما يقال عن اثر اللوبي والصوت الانتخابي اليهودي وظروف الحرب الباردة وغيرها من الأقاويل التي أثبتت الأحداث عدم صحتها إطلاقا، حيث سنركز في هذه الدراسة على البعد الديني للصراع، والذي يمكن أن يوضح لنا طبيعة العلاقة القائمة بين إسرائيل والدول الداعمة لها وعلى رأسها بريطانيا وأمريكيا، والسبب الذي يدفع هذه الدول إلى تبني المطالب الصهيونية والدفاع عنها باستماتة.
في كلمة ألقاها بنيامين نتنياهو أثناء صلاة الصباح التي يقيمها المسيحيون الأمريكيون لإسرائيل، في مستهل فبراير ١٩٨٥م عندما كان سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، أشاد نتنياهو بـ "الزمالة التاريخية بين المسيحيين المؤمنين واليهود، لان هذه الزمالة قد عملت بنجاح على تحقيق الحلم الصهيوني".
وفي كلمته تعجب نتنياهو كثيراً من جهل أولئك الذين يجدون مدعاة للدهشة فيما يقدمه المسيحيون الأمريكيون الإنجيليون من تأييد قوى وراسخ لإسرائيل ويصورونه كظاهرة جديدة، حيث قال:"فأولئك الذين يعرفون التاريخ الحقيقي للانخراط المسيحي العميق في الحركة الصهيونية لا يجدون أي مدعاة لأية دهشة أو تساؤل بشأن الدعم القوى الذي يقدمه لإسرائيل كل المسيحيين المؤمنين في العالم .. والذي جعل الكتاب والقساوسة والصحفيين ورجال الدولة ـ بريطانيين وأمريكيين ـ دعاة متحمسين لإعادة اليهود إلى وطنهم، حيث لم تكن هذه الصهيونية المسيحية قاصرة على الدعوة أو المثاليات بل امتدت إلى الخطوات العملية اللازمة لتحقيق ذلك الذي كان حلماً ".
هذا ما قاله نتنياهو قبل أكثر من ٢٣ عاماً، عندما كان سفيراً لبلاده في أميركيا، وها هو الآن يستعد لترأس الحكومة الإسرائيلية التي لن نقول عنها أنها ستكون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وسعيا ً إلى التوسع فحسب، بل نضيف إلى