للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحافظ على التماسك بين أعراق الشعب الأمريكي هو المصلحة الإقتصادية, وأي ضعف إقتصادي حقيقي في أمريكا قد ينعكس سلباً على تماسك الأعراق فيها (١).

فأمريكا ليست دولة ولا قومية. بل هي مجرد مساحات واسعة يقطنها مؤقتا أناس ينحدرون من بلدان مختلفة، والمهم هو أن أمريكا تفتقر إلى النواة القومية، إلى شعب الدولة - الأساس الأصيل لكيان الدولة المتين. أن ما يسمى بالشعب الأمريكي هو تعريف غير أصيل وغير متجانس. بل هو خليط مصطنع من الأشخاص، الذين لا يمتون لبعضهم البعض بصلة، باستثناء الرغبة المشتركة في الاستهلاك والكسب والخوف الغريزي من المسؤولية عن الجرائم التي اقترفوها بحق البشرية. أن خليطاً كهذا لا يمكن أن يبقى متراصاً إلا لفترة زمنية قصيرة نسبياً، والتاريخ غني بالأمثلة على انه يتداعى لدى أول صعوبات جديه لم تعان منها أمريكا بشكل حقيقي بعد. لكنها تقف الآن على أعتابها (٢). وربما هذا ما دفع هنتجتون إلى دق ناقوس الخطر محذراً من التحديات التى تواجهها الهوية الأمريكية، حيث يرى أن الهوية الأميركية واجهت خلال العقود الأخيرة -خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين- عدداً من التحديات الضخمة التي أضعفت من التفاف الأميركيين حول هويتهم بشكل يمثل تهديداً لبقاء الهوية الأميركية واستمرارها، ومن أهم التحديات التي رصدها هنتنغتون ما يلي:

أولا: التقدم في وسائل الاتصالات والمواصلات، والذي أدى -كما يرى هنتنغتون- إلى ربط المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة بمجتمعاتهم القديمة بشكل قوي وغير مسبوق، مما أضعف من اندماجهم بالمجتمع الأميركي وسهل عملية تواصلهم مع مجتمعاتهم الأصلية، وشجع المهاجرين الجدد على الحفاظ على ثقافاتهم الأصلية وهوياتهم الأجنبية، ومحاولة نشر هذه الهويات بين أبناء بلدانهم في أميركا. كما أن تقدم أدوات الاتصال والمواصلات وقوى العولمة أدى إلى انفتاح النخب الأميركية الاقتصادية الكبرى بشكل غير مسبوق على العالم، حيث بدأت هذه النخب في تكوين هويات فوق-قومية تتخطى الهوية الأميركية، إذ تنظر هذه النخب


(١) الغارة الأمريكيّة الكبرى على العالم الإسلامي.- يحي أبوزكريا - http://www.alkader.net/juni/abuzakrya_gara_٠٧٠٦٢٢.htm
(٢) لهذا كله ستنقرض أمريكا - الحكومة العالمية الخفية - تأليف الغ بلاتونوف - ترجمة نائله موسى ص ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>